تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

سيداتي آنساتي-4 تاريخ أسود

تُراقب صديقتي (ح) بناتها المراهقات كالصقر. وتفرضُ عليهنّ نمط حياة صارماً ومُتزمتاً لا يتناسب ومعطيات العصر الحديث، ولا يُطبّقه أي من صديقاتهن في مُحيط المدرسة أو مُحيط الأقارب.  وفي الوقت الذي  تنشغل فيه بقية بنات العائلة  باختبار حدود حُرياتهن في كل زيّ قصير- نسبياً- يرتدينه، أو أماكن لهو «مشروعة « يرتدنها، فان (ح) تفرض على بناتها مقاييس أزياء ذات أطوال وألوان مُعينة تخرج معهن خصيصا لشرائها ، وتعود كل مرة وهي تتذمر من كونها لم تعد متوافرة في الأسواق.

" تصدقين إني اشتري لـ(مها) أم عشر سنوات من  المحلات النسائية! "

وحين تقرر بعد وصلات من التوسل والدموع تذرفها الصغيرات السماح لهن بحضور أي احتفال "بنّاتي" فإنها تفعل ذلك تحت إشرافها المباشر وفي أضيق الحدود. فتوصلهنّ بنفسها  إلى المطعم مكان الاحتفال، وتجلس الى الطاولة المقابلة تحتسي فنجاناً من القهوة بينما تغمز لهن متوعدة بشكل مفضوح ما أن تعلو ضحكة أكثر من المفروض أو يتزحلق طرف عباءة أكثر من اللازم.  ثم تجرهنّ ثانية إلى المنزل في موعد محدد بغض النظر عن انتهاء المناسبة  من عدمها.  وهو إحراج لم يعد يتكرر كثيرا لحسن الحظ -أو لسوئه - بسبب العزلة  الاجتماعية التي فُرضت عليهن نظرا لعزوف الصديقات عن التعاطي مع بنات (ح) تجنباً لجلسات التحقيق المرعبة  التي تجريها مع كل صديقة  تقترب أقل من خمسمائة متر من محيط العائلة.

المعجبون بتصرف (ح) التربوي المندرج تحت بند " أكسر للبنت ضلع" لا يعرفون غالبا التاريخ الفضائحي لمُراهَقة (ح) والذي تحاول جاهدة دفنه عن طريق الاستماتة في إثبات مدى العلو الأخلاقي للمنهج التربوي الذي تعتمده في تنشئة بناتها، غير عابئة  بالحياة الـ"سويّة" التي تسلبهن إياها قسرا لمجرد التكفير للمجتمع عن ذنوبها الشخصية، ولا بالمسار "السري" الذي بدأت الصغيرات بانتهاجه معتمدات على سلسلة لا منتهية من الأكاذيب في سبيل الحصول على شيء من الترفيه البريء، والذي لن يكون كذلك في مستقبل الأيام.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079