رغبة في الكلام

21 تشرين الثاني 2011

تسكن فيها طاقة جديدة وعظيمة، تقرّر أنها قدرة على الكراهية تسعد بها، وهي قدرة صريحة وغير مواربة تتمنى أن تستطيع التعبير عنها.
لكنّها لطيفة بالقوة ولا يمكن ألا تردّ على ابتسامة بابتسامة مثلها. يمكن أن تترك كرسيها وتمشي نحو المطعم الإيطالي الرخيص.

ترك لها المصوّرُ صوره. أتلحقه إلى اليابان؟ تغمض عينيها لتصدّق أنه تركها. كلّ عام تصدّق أنه تركها وتعود إلى أيامها، إلى أولادها الثلاثة وحضور والدهم، زوجها السابق، في حياتها. لا يعجبها شكل المصوّر الذي تعرفه من قبل أن يصبح مصوّراً.
وما زالت صداقتهما القديمة رسمية. شغفه بالترحال منع تطوّر هذه الصداقة. وهي ليست معجبة بشكل جسمه، لكنه يسحب منها الكلمات، ويسحبها هي من صمتها المَرَضيّ. كلّما رأته أحسّت برغبة في الكلام.
يمكن أن يتكلّما خمس ساعات متواصلة، تعرف أنّ صوته لن يُتعبها وأنّها لن تملّ طريقته في الكلام ولا التحديق إلى عينيه. يحدث هذا كلّه في الصيف ثم في الخريف تنساه. في الخريف يترك لها الصور ويختار على خريطة العالم مدناً لم يصوّرها بعد.
ويختفي ليعود إليها في الصيف. بعد أيام من نوبة شوقها إليه، وهي أيضاً نوبة تذكّره وتذكّر استئناسها به، تنساه. تقول إنه ليس حبّاً ما يجمعها به في الصيف.

يحدث أن يأتيها وجهه في الأوقات الأكثر غرابة، يظهر فجأة على شكل رؤى، تلمحه في منتصف اجتماع عمل أو حين تصحو من نومها صباح يوم شتوي عاصف. لا تنادي وجهه، يأتي وحده من دون إنذار.
تحبّ فكرة أنه موجود على هذه الأرض. لا يهمّها أن يكون في بوسطن أو طوكيو أو بكين، لن تبحث عنه ولن تبالي بمقعده الشاغر في المطعم الإيطالي الرخيص، ما يهمّها هو أنه يتنفّس في مكان ما على هذه الأرض.
تحبّ فكرة وجوده أكثر من وجوده، تحبّ ما يمكن أن يقوله أكثر من حكايات قصّها عليها وما زالت تنتظر نهاياتها. تقرّر أحياناً أنه نسخة رجالية من شهرزاد. يحكي لها أنصاف حكايات واعداً بإكمالها في الصيف المقبل حين يحين موعد جولته في قلبها.
وهي لا تقبل حقيقة أنها تنتظره، لا تعتبر انتظاره حقيقة ولا تقبل بأنه انتظار. تصرّ على أنها تنساه، وأن عاصفة وجوده تهبّ فجأة. أخيراً اعترفت بأنّ لصداقتهما طعماً آخر غير طعم الصداقة.
لم يكن هذا الاعتراف ممكناً من قبل. لا تجد تفسيراً لولادته الآن. التفسير المعقول هو أنه لأول مرة يتصل بها في الخريف. تلقّت منه رسالتين. هذا الخريف يعذّبها الوصول إلى قسوة التناسي بعدما كانت تقدر على هذه القسوة من قبل.
أمامها اختياران: أن تطير إليه لتراه هذا الخريف أو أن تؤجّل الصيف، صيفها، وأن ترفض قصصه وصوره ووعوده غير الواضحة وكلامه السلس وأن تطفىء غموض صداقة لم تستطع أن تعثر على صفة لها.