تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

سيداتي آنساتي-3 صديقتي (ش)

لما تقدمت صديقتي (ش) للإدارة التي تعمل بها بطلب إجازة وضع، انتابت الجميع حالة من الدهشة الشديدة وذلك لأن أحداً منا لم ينتبه إلى أنها حامل، (بطفلها الأول) ما شكل بيئة خصبة لانطلاق الكثير من التعليقات المرحة والمُبارٍكة في الوقت نفسه. إلا أن تعليقاً واحداً صدحت به إحدى الزميلات اللواتي يقضين غالب أوقات الدوام الرسمي في «البوفيه» كان وبلا منازع التعليق الـ(حدث) في ذلك اليوم . إذ رفعت تلك الزميلة (تاتو) حاجبها الأيمن، ومطت غرامات السيليكون المحقون في شفتيها وقالت بلؤم:

«والحبيبة وراها توها تعلم إنها حامل!!»

ساد الوجوم لثوان قبل أن تضيف الزميلة نفسها و بصوت ذي نبرة أعلى الغرض منه إيصال رسالة مهمة وحيوية لـ(ش) بالدرجة الأولى، وللزميلة «غير المتزوجة» في أقصى يمين الغرفة، والزميلة «المطلقة» في أقصى شمال الغرفة، وللمراسلة  أم عبد العزيز التي تقترب من سن اليأس  قائلة بكل صفاقة:

«على فكرة، ترا كل الناس تحمل وتولد!»

وقد يسيء البعض منكم فهم الزميلة أعلاه فيعتقد أنها من أولئك  الأشخاص الذين ينقصهم التهذيب مثلا أو - لا سمح الله - من أولئك الذين يحتاجون إلى إعادة تأهيل قبل الانخراط في مجتمع  مُتحضّر. وقد يتمادى البعض منكم في سوء ظنه فيبدأ بالتفكير في شكل المنزل الذي صدّرها إلى العالم الخارجي بتلك الأخلاقيات العجيبة. ومدى الكارثة المجتمعية التي ينتظرها العالم منها وهي الأم لأربعة أبناء تنوي مضاعفتهم. إلا أنكم لو تركتم التحامل جانبا وأمعنتم النظر قليلا وبشيء من الموضوعية في موقفها  لتمكنتم من رؤية الأمور على وجهها الصحيح.

إذ مهما بدا  للوهلة الأولى أن موضوع إنجاب طفل أمر بالغ الخصوصية تملك (ش) وحدها حق مشاركته مع أولئك المصنّفين خارج محيط المقرّبين من عدمه، إلا أن من الأنانية منها أن تفرضه على بقية الزميلات مستأثرةً وحدها باتخاذ قرار مهم ومصيري بدون الرجوع إليهن!

 ماذا لو لم يكنّ مستعدات بعد لخوض هذه الخطوة الضخمة في هذه المرحلة من حياتهن. أو لم يتناسب هذا القرار مع خطط حياتهن المستقبلية!  ماذا لو كُنّ قد اكتفين فعلا من الأطفال ولا يرغبن في استقبال المزيد. ثم وبالنظر إلى حالة الاقتصاد العالمي المتدهورة وظروف الغلاء المعيشي الرهيب الذي تعيشه المنطقة هذه الأيام، ألن يُشكّل استقبال (ش) لمولود جديد في هذه الأيام العصيبة عبئا ماديا مرهقاً قد لا يمكن لجمهور الزميلات احتمال المزيد منه!
ثم تسعة أشهر من المواعيد الطبية التي على (ش) تكبّد عناء الانتظام فيها، والضغط النفسي الذي عليهن مكابدته نتيجة تردد (ش) على بيت والدتها إلى حين إنهائها مراحل الوحم والغثيان الصباحي، وتلك التفاصيل الصحية المرهقة التي لا تستنزف الحامل فقط بل والمؤسسة المهنية التي تعمل فيها.  ثم مستلزمات الولادة، وكركبة النفاس، والوصول صباحا إلى عملهن بعد ليلة طويلة من السهر على أنغام طفل يبكي.  ألا يجعلنا كل ذلك  نغض الطرف عن الموقف الغريب للزميلة أعلاه ونلقي باللائمة بالكامل على (ش)؟

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077