تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

بعد الثورة

بعد الثورة
نظرتْ إلى الصور. نظرتْ إلى السيدة التي لفّت نفسها بالعلم التونسي وهي تدلي بصوتها في الانتخابات الأخيرة. حدّقت إلى صور ليبيات يحتفلن بليل ليبي حرّ.
بعد الثورة هن جاهزات لثورة. لقد كنّ في المقدّمة، كنّ في الصفّ الأوّل حين تلاحمت الأصوات والأهداف وامتزجت الدماء. كانت مواطنة وكان هو مواطناً. كانت ثائرة وكان هو ثائراً.
لكنّ القصّة نفسها تتكرّر، والوهم الذكوري يبرّر للرجل طعناته. فهل تكون الحرب ضدّها إحدى «ثمار» الثورات؟ الأمل يجبرها على الإيمان بأنها تحتاج إلى المزيد من الوقت والصبر كي تكون الثورة ثورتها هي أيضاً، ثورة غير ناقصة.

كلمات
مَن قال إن الكلمات تنقذ العالم؟ مَن قال إنّها تؤثّر فيه؟ كنت مقتنعة بأن الكلمات سلاح وبأنّها في عقولنا أدوات مقاومة نشهرها في وجه الذلّ والقهر والعجز، ولتصحيح أخطاء الآخرين في حقّنا.
أُسكت صوتاً فيّ لا يؤمن بالكلمات؟ «ممّ تخافين؟»، سألني الصوت. «مني؟»، وادّعيت أنني لا أسمعه. لكنّه يتسلّل إليّ مع كل خيبة. ما الذي يمكن أن تقدّمه الكلمات؟
أستمع إلى كلمات الشاعر العظيم الذي رحل وأبكانا، ولم تغيّر كلماته في غياب العدالة شيئاً. لكن كلماته تلك طالبت بالعدالة، نعم، وهو طالب بها ولم يتعب، ومات ولم يذقها.
ربما خفّفت كلماته القبح، لكنها زادت الوجع وجعاً. صورة الشاعر في الموقع الإلكتروني سألتني: هل تنفع الكلمات؟ ثم نظرت إلى الضوء فوقي، وكان الضوء يبتسم ويسأل: أتذكرين ما قرأتِه عن الفرق بين ماركس وإديسون؟
ماركس وإديسون؟ أسأل الكلمات كلّها، الكلمات في الصحيفة المستلقية على طاولة مكتبي، وفي الكومبيوتر وشاشته البيضاء، في مئات الكتب التي تحاصرني وأحاصرها. أسأل الكلمات التي كتبتها والكلمات التي سأكتبها.
وأبحث عن الكتاب الذي يغيّر حياة أحد قرّائه، أبحث عن الكتاب اللعنة والكتاب الحياة والكتاب الذي يقتل بطلته. أبحث عمّا أقرأه وأشكّ في صحته... أحياناً.

طريقة كلامه
تعجبها فقط طريقة كلامه. لا تغريها أصابعه القصيرة بتذكّر مظهره. ليس المظهر ما يهمّها بل الوضعية، وضعية جسمه وهو جالس يثرثر في المقهى، والأرجح أنها لا تعرف تحديد ذلك الشيء الذي يأسرها فيه، القصص ربما، السيجارة غير المشتعلة، الماضي، ماضيهما معاً، الماضي الذي يقترب كلّما ابتعدا عنه.
يبدو لها وجهه الآن بعيداً. يتعلّق الأمر كلّه، أي شوقها المرّ إليه، بمزاجها، وبالوقت الذي تتسنّى لها الراحة خلاله.
تحلّ عليها في هذا الوقت رومنسيةٌ مراهقةٌ، فتبتسم رغماً عنها لأعوام لمعت في عمرها، أعوام مرّت سريعاً ولن تعود. مرّت تسعة أعوام وما زالت تعجبها فقط طريقة كلامه.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077