تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

سيداتي آنساتي -2 صديقتي (ر)

صديقتي (ر) جميلة.

لا تشبه (تشارليز ثيرون) لكنها تملك ابتسامة سحرية تجعلك ترغب في أن تراها في مُحيطك كل يوم. ورغم اتفاق الجميع حول شخصيتها الجذابة ولطفها الشديد وأريحيتها الآسرة، إلا أن بعض الزميلات «المتحفظات» يأخذن عليهاأنها لا تغطي وجهها.

 ويحدث في كل صباح ما أن تخرج (ر) من المكتب إلى إحدى حصصها المدرسية، حتى يبدأ الجميع حديثا مشبعا بالغيرة النسائية المكشوفة. يُستهل عادةً  بانتقاد تنورة (ر) القصيرة بعض الشيء، وعطرها الفواح الذي دخلت به إلى المدرسة رغم ركوبها مع سائق. ثم الحذاء ذو الكعب العالي والصوت المغري  الذي تطقطق به كلما سارت في المكان بلا حياء أو خجل. يتبعه طرح تساؤل حيوي ومهم حول ما إذا كانت عباءة (ر) «المزركشة» - والعياذ بالله- قادرة على إخفاء الثلاثة سنتيمتر التي قد تنكشف من ساقها أثناء خروجها من البوابة الخارجية للمدرسة -النسائية بالكامل-  إلى حيث تقف سيارتها أمام الباب مباشرة!

وبعد الكثير من الشدّ والجذب حول هذه النقطة المُحيرة والجوهرية، يبدأ الموضوع بالخروج من شكله الخاص المتعلق بزي (ر) إلى شكل أكثر عمومية، فيفتحن  بابا جديدا من التحسّر الشديد على أخلاق بنات اليوم، وعدم اهتمامهن بالتقاليد المحافظة التي قام عليها مجتمعنا «ذو الاحتياجات الخاصة» أقصد ذو الخصوصية، ما تسبب بالانهيار الفظيع والمأساوي الحاصل في القيم والأخلاق الذي نراه اليوم . يتخلل هذه الوصلة استعاذة من غضب الله وانتقامه المفاجئ نتيجة تزايد آثام البشر.

 ثم ومن حيث لا يعلم أحد يبدأ الحديث باتخاذ منحى آخر لم يكن في الحسبان، فتبدأ الجالسات التقيات بسرد قصص حول أُخريات يعرفنهن. تتخذ في بدايتها  شكل النقد الاجتماعي. ثم تتكشف شيئا فشيئا عن حقيقتها التي لا تعدو عن كونها مجالا رحباً لتصفية الحسابات الشخصية لا أكثر ولا أقل . ثم وبطريقة مُرعبة يبدأن بالتنقيب في السرائر، والخوض بكل جرأة في أعراض الأخريات ويتناسين قول الله  تعالى «وتحسبونهُ هيناُ وهو عند الله عظيم» *. قبل أن ينهين وصلتهم الدموية العامرة بنهش لحوم الغائبات النيئة بعملية تصنيف دقيقة، يحددن فيها  بالاسم السعيدات المخلّدات في الجنة والشقيات المحكوم عليهن بأن يكن حطب النار. يمصمصن بعدها شفاههن بتشفٍّ وينصرفن مرتاحات الضمير والـ(غليل) إلى أعمالهن  اليومية. 

وما أن يهدأ المكان حتى تدخل (ر) بابتسامتها السحرية تتجه إلى ركن المكتب. تُعدل تنورتها القصيرة بعض الشيء.  وتخلع حذاء (كريستيان لوبوتان) ذا الكعب العالي الذي أثار البلبلة من الأساس. تفرش سجادتها وبهدوء تبدأ صلاة نافلة الضحى.

*سورة النور الآية 15

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079