تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

النعاس في عينيها

أنهت الكتاب، ثم حضنته. لم تقرأه سريعاً، لم تستطع أن تقرأه إلا بتأنٍّ. وكانت بين صفحة وأخرى تعيش مع كاتبته حياتها الأصلية. تعرف شكلها جيداً، تحبّ النعاس في عينيها، وتتابع أخبارها.
ما زالت منذ اكتشفتها قبل أعوام قليلة تبحث عن معلومات عنها، تبحث عن اسم الجامعة التي تدرّس فيها وأسماء أولادها وظروف نشأتها لتفهم قدرتها على ابتكار القصص التي تولّد قصصاً أخرى غزيرة قبل أن تفاجئ قارئها الكلمة الأخيرة.

عرفت أنها توزّع أيامها على قارّتين، تعيش عامها بين بلدين لا يتشابهان أبداً، لكنها تجمعهما ضمن مشروع واحد، هو مشروع الكتابة الذي أصبح أساس هويتها، فهي كاتبة قبل أن تكون أيّ شيء آخر.

تبحث عن مزيد من المعلومات عنها وتسأل: أما زالت تكتئب كلّما تأخّر المطر؟ وتغار منها لأنها كتبت كلّ ما أرادت هي أن تكتبه. لم تنم قبل أن تنهي كتاب غريمتها الأخير، وصحت مريضة من شدّة تأثّرها.
لقد كتبت امرأةٌ من عالم يشبه عالمها ما أرادت هي أن تكتبه، وما عاشت حياتها تفكّر فيه. تريد أن تسحب منها الصور والأسماء، أن تستعيدها كلّها، هي الصور نفسها التي حلمت بها وكتبتها في دفاتر بقيت في الأدراج، وهي الأسماء نفسها التي دلّلتها كل فجر قبل أن يمحوها روتين الأيام.

في مرضها، رأت الصوفيّ الذي قرأت عنه في كتاب المرأة الأخرى، الكاتبة الأخرى، الكاتبة الناجحة، مختبئاً في ثياب شخص تعرفه.
لا تدّعي أنها تعرف هذا الشخص جيداً، لكنها تقول إنه من معارفها، هو صديقُ صديقٍ. كلّما تذكّرت الصوفي في الكتاب رأت وجه صديق صديقها يتفحّصها بجدّيّة مخيفة.
لمَ تخاف؟ وممّ؟ من شبح رجل لا تعرفه. الخوف من أمور مختلفة يأتي في أشكال مختلفة، يظهر في الرؤى والأحلام وفي وجوه مَن نحبّهم أيضاً.

هناك من يكتب الكلمات التي تفكر فيها، كلمات هي حياتها الحقيقية، هي الحياة التي لا تحياها.

أنهكها كتاب الغريبة التي تعرفها جيداً، تسبّب بمرضها. تنام وتصحو، وكلّما صحت أحسّت بأنها تسبح فيه، بأنه بحر، وأنها تموج فيه ولا تعرف السكون.
لم تتخيّل يوماً أن كلمات مكتوبة يمكن أن يكون لها هذا الأثر القويّ في جسمها، فتدفعها إلى النوم ثم تُخرجها منه، تنام وتصحو، تغيب وتعود وتحسّ بالعجز، لا تتحكّم هي بحالتها، وحدها الكلمات التي قرأتها تتحكّم بها.
تخلّت عن واجباتها، تخلّت عن كلّ شيء، عاجزة عن التفكير والتصرّف والمبادرة، كأنّ الكلمات سحبت منها قوتها.

ماذا جرى؟ فلتترك النوم لأهله، ما الذي تعرفه هي عن النوم المتواصل؟ حياتها صحو مستمرّ، ركض عبثي نحو نقطة لا تختفي ولا يمكن الوصول إليها مع أنها هنا، قبالتها. لكنّ الكتاب الذي قرأته ولم تكتبه يطبق على أنفاسها ويجبرها على النوم.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077