تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

سيداتي آنساتي -1 صديقتي (ن)

تشعر صديقتي (ن) بأن طلاقها سيكون "على يدي". وحالما تضطرها ضغوط الحياة  للجوء إلي شاكية من "شيخ الشباب" - أو على الأقل هذا ما لا يزال يصدقه بعد خمسة عشر عاما من الزواج -  فإنها تتعامل مع كل نصيحة أقدمها لها بالكثير من الحذر والريبة.

فبرغم صداقتنا الضاربة في القدم إلا أن نظرتنا إلى الأمور الحياتية قد تعرّضت في مرحلة ما إلى التباين الشديد بسبب اختلاف خياراتنا في الحياة. ففي الوقت الذي اخترتُ  فيه السير قُدما في حياتي العلمية والمهنية، فضلت (ن) الزواج من أول شخص طرق أبواب قلبها، لتنسحب بناء على طلبه من الدراسة الجامعية التي كانت قد بدأتها للتو وتنشغل بدور الأمومة الجديد.

ورغم محاولاتي المستميتة في كُل جلسة شكوى تجمعنا التحلي بالـ(صمت) المطبق والاكتفاء بدور المستمع تاركة لها مجال الفضفضة التي لا تقدم أي علاج، إلا أن الموضوع  يخرج أحيانا عن سيطرتي  فلا تعود تفيدني جميع خطوات الاسترخاء التي اعتمدها بينما نجلس في (كوفي شوب) مدجج بالـ(بارتشنز) حتى لنكاد ننسى أننا خارج المنزل، إلا من (ويتر) يتنحنح خلف الستارة بين الفينة والفينة سائلا عن طلباتنا، أو مُذكرا إيانا بموعد إغلاق المحل لاقتراب وقت الصلاة.

"يُريد أن يتزوج مسيار تخيّلي!!"

وتبدأ (ن) برواية الفصل الجديد من حركات أبو العيال الذي  يحاول منذ أكثر من شهر إقناعها بالموافقة على زواجه من جديد، مُستخدما أغبى المبررات التي من الممكن أن تخطر على قلب بشر. وأعني بها تلك المبررات المندرجة تحت بند الاستخفاف الكامل بعقلية المستمع أو ما نسميه بالعامية "الاستهبال"!

"يقول إني لو كنت فعلا أُحبهُ كما ادّعي لما تصرفتُ بهذه الأنانية وحرمتهُ من شيء يرغبه بشدة !"

أرفع كوب القهوة بسرعة إلى فمي، وبدون أن أتفوه بكلمة أرتشف كامل الكوب الساخن في محاولة لابتلاع  كلمة "متخلّفة"  التي يكاد يضجّ بها عقلي وأعرف بأني سأشعر بالكثير من الراحة  لو قلتها ببساطة.

"يقول إن  الأمر لا يعدو كونه "شيئاً في نفسه" يرغب في تجربته لا أكثر. وأن لا شيء سيتغير في حياتنا. بل ولن يعلن زواجه إن كان في ذلك حفظ لكرامتي".

تشرُد قليلا فأعرف أنها تفكر جدياً في الأمر. وأكاد أُصعق لمجرد أن أراها مستعدة لتفاوض حول أمر بمنتهى الابتذال كهذا الأمر. والأدهى أن تكون قادرة على حُب رجل بهذا الغباء.

 ورغم رأيي في فكرة التعدد الذي أرى بأنه أُخرج قسرا من إطاره الشرعي المقنّن المرتبط بشرط "حاسم" لا يمكن تحقيقه. إلا أن ما أثار اشمئزازي هذه المرة  هو النظر إليه كمبرّر شرعي لامتهان كرامة البشر، و التعاطي مع إنسان يملك  حياة وأحلاماً ومشاعر كشيء مادي الغرض منها إشباع نزوة طرأت لرجل متخلّف كل ما في الأمر أنه "يقدر".  ماذا عن المرأة التي ستُدفع قسرا  للقبول بتلبية نزوة مؤقتة لـ(ذكر) ما تحت ضغط مجتمع يرى أنها  مهما بلغت من استقلالية وعلو  ليست سوى إنسان ناقص طالما لا يؤويها رجُل - أقل منها في الكثير من الحالات-

أنظر إلى (ن) المتعلمة،اللطيفة، الجميلة ، والأم المثالية ، فأتفهم - وإن كنت لا أوافقها- فكرة الاستمرار في زواج يتخذ شكل الوصاية ومفرّغ تماما من مفهوم الشراكة والندية والاحترام التي يجب أن تقوم عليها مؤسسة الزواج . ولكن ما لا أتمكن من ابتلاعه رغم جرعات القهوة المرة التي أحرقت "بلاعيمي" هو قدرتها على الاستمرار في حب رجل بهذا القرف!

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077