تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

حياة مزدوجة

أخشى أن لا يعرف أحد.

أن لا يذكرني العابرون متنوّعو السحنات بينما يقطعون «بيكر ستريت» على عجل. أخطو بينهم بقلب يكاد يَمَيّزُ من التوق. أحاول جاهدة شد معطفي الأسود غالي الثمن فلا تتمكن نسمات فبراير الصباحية الباردة من إطفاء جذوة الوجد المُتقدة في جوفي.

أتخطى مسرعة «ستاند» الجرائد أمام محل البقالة الصغير على يميني، ثم أعود أدراجي إليه متأملة العناوين المكتوبة باللغة العربية. اسحب بعناية نسخة من جريدتك المفضلة. أتأمل الصورة على الصفحة الأولى لآلاف القلوب المنتفضة سخطاً في ميدان عربي (ما). فأتحرق شوقا لرفع لافتتي أنا الأخرى أخط عليها بقلم أحمر:

«الحُب يريد إسقاط القبيلة»

ادلف على عجل إلى داخل المحل :

-«قود مورننق»

أرد علي البائع ذي اللكنة البريطانية الصرفة بابتسامة تقول:

«لا شيء سيمنع ذلك بعد الآن».

لا شُرطة الحب المُرتابة في كل قلب، ولا الفضول المُنقب في السرائر، ولا الخالات المُتوجسات هلعاً من أي «غريبة» تحوم حول شباب العائلة الواعدين قد تنقضُّ غدراً على قلبٍ قًدر كُرهاً لبناتهن المُعَدّات للزواج بعنايةٍ فائقة، فتخطفه من بين أيديهن كنسر!

أضع الجريدة على (الكاونتر) وأبدا بنقده العملات المعدنية التي لا يزال يربكني التعامل معها.

«هل هناك صيدلية قريبة؟»

أقولها بأكثر مما تحتمل العبارة من الإيماءات والإشارات والتعبيرات الجسدية، ويجيبني بدون حتى أن يحرك شفتيه إلا من ابتسامة مهذبة وودودة:

«جست اراوند ذا كورنر».

أخرج ثانية إلى حيث أشار .أجمع ما يمكنني من المسكنات وأقراص الـ(ستربتلز) ليستقبلني الرصيف مرة أخرى وسط جموع من البشر. أبتسم لهم بودٍ لعل احدهم يذكر ذات يوم تلك الخليجية اللاجئة تحت دعوى الإبتعاث إلى أراضي العتق. تُبدد الحُب حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وفي الفندق الانجليزي الطراز أُلقي بإيماءة مهذبة للشقراء المنهمكة بالطقطقة على جهاز الكمبيوتر في مكتب الاستقبال. اصعد مسرعة إلى الدور الثالث وبهدوء أفتح باب الغرفة الغارقة في السكون فيدهمني عطرك. أزيح  الستائر عن نوافذ لطالما أثارت شجني في أماكن  أخرى تبدو لي اليوم أبعد من أن تكون حقيقية.  أبعدها بالكامل فيغمر المكانَ نورُ الطمأنينة والسكون. أتحسس بكفي (في خيالي) جبهتك الحبيبة بينما اعدل الأغطية من حولك. تفتح عينيك الواسعتين فالمحُ في حدقتيك البنيتين كالتمر تاريخي فارغاً إلا من الحب. أبتسم وأقول:

«لا.. اليوم صرت أحسن الحمد لله».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077