تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

وقت الأمل

لم أمش في مظاهرة. لا، مشيت في مظاهرة واحدة تشبه، حين أتذكّرها، مسرحية أو تمثيلية كوميدية، بالرغم من الصدق الذي فاض من عيون كثيرين بين المتظاهرين وبالرغم من تعب الحناجر.
لكنها كانت مسرحية، وكنا نعرف أن ما نقوم به يبدو مضحكاً في بلد النظام الطائفي المكرّس. ومنذ ستة أعوام مشيت في مظاهرة، حين أنزلنا الغضب والقرف إلى الشارع، لكن التجربة والظروف كانت مختلفة تماماً.
ما أريد قوله هو إنني مجرّد متفرّجة، وإنني أفهم الآن دور المتفرّج، وأخجل منه أحياناً كي لا أقول إنني أدّعي البطولة.

ها هم يخرجون إلى الميدان، يرفعون أصواتهم. والصوت المرفوع لا يذوب في أصوات الآخرين بل يتحد معها ويبقى صوتاً فردياً.
ينضمّ هذا الصوت إلى أصوات فردية أخرى في احتفال التغيير وإن كان التغيير، فعلياً، لا يزال بعيداً.

في مكان آخر، ينزلون إلى الموت. تدفع الأجسام الذلّ عنها، بدمها تدفع الذلّ وتبصقه وتدوسه وتمزّقه. في كل مكان، ينزلون إلى الموت. في العراق، مثلاً نزلوا إلى ساحة رفض الواقع الزائف. ليس هذا ما انتظروه، لم يموتوا ألف مرة لأجل واقع كهذا.
نزل المسرحي والإعلامي هادي المهدي إلى ساحة الرفض، بعدما دعا زملاءه في القهر العراقي إلى النزول. كان هادي قد عاد من الدنمارك إلى العراق عام 2004.
كثر عادوا، تركوا أوروبا وعادوا ليحققوا ما حلموا به في المنفى. عادوا ليصيغوا واقعاً مختلفاً مبنياً على حلم طويل رافقهم خلال ظلام الحكم السابق. عادوا ليُقتلوا بآلات صامتة، فيكون قتلاً من دون دويّ، قتلاً أخبث من القتل المدوّي.
هكذا قُتل هادي المهدي. القتل بسلاح مكتوم الصوت رسالة بأن هذا القتل، هذه الجريمة لن تغيّر العالم، لن يحسّ أحد بها، لن تؤثر في أحد، هي رسالة القاتل لنفسه، رسالة يقنع نفسه بها.
فالقاتل الذي أرعبته حياة القتيل، يرعبه موته أيضاً. صديقة عراقية قالت إن ما يخيف في العراق هو أن جهات مجرمة عديدة، وهي جهات متناحرة، تتفق على وجوب التخلّص من مثقّفين تركوا فرص الحرية في بلاد أخرى وإن سمّوها منفى، كي يحلموا بالحرية في بلادهم.
لكننا لن نيأس، نحن الآن في وقت الأمل. بالرغم من سيناريوهات الخيبة المحتملة، نصرّ على أننا نعيش في وقت الأمل.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077