تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

حرب الرسائل الهاتفية

كانت قبل نومها تفكّر في عقد جدتها الأزرق وكلماتها الجنوبية التي انقرضت. كانت جدتها تنطق بكلمات عادت لا تسمعها هي الآن. اختفت تلك الكلمات من قاموس حياة أهل المدينة، حتى هؤلاء بينهم الذين نزحوا من القرى إلى بيروت خلال الحرب. في المنام زيّنت عنقها بعقد جدتها، وهو ما تبقّى لها منها.
صَحَتْ خائفة، من الحرب التي عادت في المنام، ومن جدّتها التي عادت من الموت، ومن هاتفها الذي يناديها رنينه. وقد أخبرها رنين الهاتف أن رسالة تنتظرها. قرأت الرسالة الهاتفية وركّزت لتتذكر أنها فقدت الحالة التي حرّكتها أمس الأول، وما عادت تريد التقرّب من صاحب الرسالة.
ولا تريد بالتأكيد أن تكبر معه، وهو ما عرضه عليها أكثر من مرة. خوفها الجديد حلّ محلّ الحنين إلى صاحب الرسالة، وجعلها تدرك أنها فعلاً متقلّبة وعواطفها عواطف مراهقة طائشة، وأنها أيضاً غير صريحة مع نفسها، وأن ثمة ما يضايقها وتؤجل التفكير فيه. في رسالة هاتفية قصيرة ألغت موعدهما.

ردّ على الرسالة، قال إنّه لا يقبل اعتذارها، وأصرّ على أن يلتقيا وذكّرها بأنها وعدتْه بهدنة طويلة بينهما. ثم أرسل لها على هاتفها صورة للبحر الذي قال، في رسالة هاتفية جديدة، إنه ينتظرها.
اقترب صيف جديد وموسم جديد من مواسم اختفائه وبحثها هي عن قصص حبّ. ثمانية أعوام مرّت على مشروع ارتباطهما الأول. طلب منها أن يلتقيا في مكانهما القديم، حيث تشرب الشاي من دون سكر.
أغضبتها الرسالة الأخيرة لكنّها أطاعتها وغادرت سريرها وجهّزت نفسها للقائه ولمعركة جديدة. وفي الطريق إليه، فكّرت في العودة إلى سريرها، ولم تعد. رأته من بعيد، ولوّحت له قبل أن تمشي إليه.
ثم انتبهت إلى أنه ليس جالساً وحده. وما ان اقتربت من طاولته حتى هجمت عليها فتاة ترافقه وقبّلتها بحرارة. ثم قالت الرفيقة لها: ماذا يمكن أن يكون قد أخبرك عني؟

هو «مقلب» جديد من «مقالبه». لم تبتسم، ثم انتبهت إلى أن الفتاة رفيقته لا تخفت ابتسامتها. وهو بدا سعيداً فخوراً برقّة رفيقته الزائدة وأنوثتها الفائضة.
وهي فهمت أنها رغم هروبها من قصص أمها عن «الرجال الذين قد يلتهمونها»، ورغم الثورة الناقصة التي اعتبرت أنها قامت بها حين رفضته أول مرة من أجل إكمال دراستها، لم تحرّر نفسها منه.
 هي أيضاً ابتسمت وعلا صوتها خلال الجلسة الثلاثية.
غارت من رفيقته من دون أن تظهر عليها غيرتها. أرادت أن تستعيده خلال هذه الجولة فقط. ماذا تفعل الآن؟ تحتاج أولاً إلى غرفتها وهدوئها وصبرها الذي تدّعيه معظم الأحيان كي تخطّط بدورها للانتقام منه. يجب أن تفكر بدقّة وأن تمثّل ببراعة كي لا تخسر كل جولات المعركة الأخيرة التي افتتحها هو ب«هزيمتها الأولى».

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077