تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

دوام

اكره عملي. اذهب إليه مُكرهة كل صباح مُطأطِئة الرأس أمام الراتب الضخم الذي يودع في حسابي شهرياً.

أصرف نصفه في دفع فواتير جلسات الليزر ومواعيد صالونات التجميل والتسوق «المَرَضي» الذي يبدو أنه لا يملأ أكثر من خزانتي. ويتسرب النصف الباقي بدون أن اشعر إلى جيوب المحيطين بي. أتجنب التواصل الاجتماعي «الزائد عن الحد» مع الزميلات الغارقات في سخافة الخناقات «الحريمية»، والتي يمارسنها بدافع قضاء الوقت لا أكثر، قبل أن ينصرفن إلى «خناقات» أخرى أكثر جدية خلفنها وراءهن في منازل تعج  بالمعارك والأولاد.

أُفتح مذكرتي وأبدا بشطب المهمات الواحدة تلو الأخرى ما أن انتهي من أدائها. وقد أغش أحيانا فأشطب مهمة أو اثنتين من باب  التفاؤل ورفع الروح المعنوية لا أكثر.

أتبادل حديثا ودودا يقطر نفاقا مع أشخاص ما كنت لأُعيرهم اهتماما في أماكن أخرى ذات تسلسل مهني مُختلف. أتجرع مزحاتهم الثقيلة ونكاتهم الباردة تحت دعوى المجاملة المهنية. ومع أوسع ابتسامة عذبة يمكن أن يسمح بها التكوين التشريحي لفك الإنسان  اردد في قلبي:

«أقول يا صبر الأرض بس !».

أحاول أن أذكر نفسي المفطورة على الـ«هلع» بكل النظريات الايجابية التي قام عليها وهم البرمجة اللغوية العصبية، وتطوير الذات، وخزعبلات قانون الجذب، فلا ابتسم إلا حين تقع عيني على الرقم المطبوع على صفحة التقويم لأكتشف أننا في الأسبوع الأخير من الشهر، ثم تتلاشى ابتسامتي بأسرع مما كنت أتمنى  ما أن  تصدح زميلة مزعجة مرددة بكل «ثقل دم»:

«ياسرع الدنيا... من أعمارنا الله يحسن خاتمتنا»

أفرش سجادتي ما أن يعلو صوت المؤذن معلنا حلول وقت الصلاة مُستغلة فكرة الصلاة كعذر لائق ومقبول اجتماعيا لطرد الزائرات غير المرغوب بوجودهن، واللاتي لم تفلح معهن كل التلميحات التي أطلقتها حول العمل الذي لا ينتهي والمهمات التي نضطر لإنجازها في المنزل لضيق الوقت. وبعد ربع ساعة كاملة من إغلاق الباب خلف آخر المنصرفات أعود لفتحه ثانية تحت إلحاح تليفون عاجل من مدير غبي أو زميلة فضولية قررت أن تتأكد سراً من «نسب» أحدى الزميلات مثلا.

أعي كل طقطقة تطلقها الساعة معلنة انتهاء وقت الدوام. فاعدل عباءتي التي ارتديها منذ أكثر من ربع ساعة استعدادا لصافرة الانطلاق واخرج مسرعة إلى حيث "الزخ" توقيع الانصراف بأقل قدر ممكن من الأحرف المفهومة. اصعد إلى السيارة فورا إذا صادف ذلك اليوم سعدا فلكيا وصل معه «السواق» في الوقت المناسب. وإلا فاني سأجلس بكل أدب على احد الكراسي المتناثرة بجوار البوابة لنصف ساعة أو أكثر محاولة قدر الإمكان السيطرة على عادة  مزعجة قد تدفعني لإقلاق راحة «معاليه» بسؤال عديم التهذيب كـ:

«إقبال وينك؟»

أعرف أنه سيعرضني لوابل من الشتائم التي لن تجرح شعوري على الإطلاق كوني لا أفهم «اوردو». أعود إلى المنزل وفي عقلي تدور أكثر السيناريوهات عذوبة وسلاما  تبدأ جميعها بـعبارة:

«بستقيل من شغلي و .....»

تقطعها شقيقتي بسؤالها اليومي الذي لا يتغير:

«ودك نطلع اليوم؟»

«مالي خلق بكرة عندي دوام».

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077