تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

الوقت في جيبها

الكلمات المرسومة على الجدار خجولة، حروفها ملتوية وقصيرة رغم جرأة معناها. التقت الحروف هذه على جدار ملتصق بالرصيف حيث تحس بأنها حرّة. الكلمات تحكي عن الحاجة إلى التغيير.
وجدتْه هو أيضاً على الرصيف. حملت الوقت في جيبها ومشت في شارع استردّ بالقوة حياة سُحبت منه، ويبقى له أن يحارب لاسترداد تاريخه. هذه المرة قررت السيطرة على الوقت. ها هو الوقت الآن في جيبها، يمكنها أيضاً أن ترميه على الرصيف وتمشي عليه.
على الرصيف وجدت حبيبها السابق، وفرحت به. هي فرْحة مفاجئة، فلمَ تسعد برؤية مَن أبكاها في الماضي القريب؟ لمْ تبحث عنه، ولكنها حين التقته شعرت بأنها وجدت جزءاً منها كان تائهاً. أخيراً وجدته وجلست قبالته، فسألها: هل أرمي النرد الآن؟ لم تفهم سؤاله، وطلبت منه أن ينتظرها. أدارت ظهرها وحاولت أن تتذكّر آخر حديث بينهما. سألته: ألم تُنجب لك الولدين؟
- تركتُها.

لا تعرف تلك المرأة التي أخذته منها، ولن تسأله عن أسباب اختفائها الذي لا يهمّها أبداً. مدّت له يدها لينتقلا بحريّة إلى رصيف آخر، لكنه بقي مكانه. وقال:
- لم أنته بعد من كتب الغرفة الأولى، قد أموت قبل أن أنهي قراءة كتب الرفّ الضيّق الملتصق بالباب.
وجدت نفسها في تلك اللحظة جاهزة للبكاء، لكنها حافظت على ابتسامتها لتشجعه على الكلام. لا تعرف لمَ لا تحقد عليه. استسلمت لجلسة الرصيف، لا بأس إذا فقدت السيطرة على نفسها لتعيش خلال ما يمكن أن تسمّيه اللا زمان. هي سعيدة في اللا زمان، قادرة على أن تغرم مجدداً بالوهم. وهو في اللا زمان شخص آخر، هو ذلك الشخص الذي تحلم به.
انتبهت وهي على الرصيف أن كل ما ستقوله له قالته من قبل. وكلّ ما يمكن أن تقوله قد قرأته في كتاب ما. قرأته وأعادت قراءته. وهي مضطرة كل يوم إلى أن تقرأ من الكلمات فتاتها، تقرأ في عملها زبالة الكلمات، تقرأها وتقرأ فيها كل شيء، شَعر الكلمات وعظامها وصدورها أيضاً مع البقايا التي تُرمى في العادة.

تحاول على الرصيف أن تقول له ما لم تقرأه بعد. يمكنها على الرصيف أن تنسى كل شيء وتخبره عن أخطائها هي، عن مواقفها الغبية، يمكنها أن تعترف له بأنه ما زال بالنسبة إليها خارج التصانيف وخارج الواقع أيضاً. تعرف أنه لن يستغرب ما ستقوله لأنها بغرابته تقيس غرابتها.
على الرصيف تراه الآن كأنها تراه للمرة الأولى. وهي على كل حال لم تعد تتذكر المرة الأولى تلك، فقدت نهائياً اللحظة الأولى التي ظنّت في الماضي أنها ولدت لتعيشها. لم تحمله إلى رصيف آخر، نهض ومشى معها قليلاً ثم توقف، أما هي، فما كان ممكناً أن تقاوم رغبتها العنيدة في المشي.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077