تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

رصاص وأسئلة

هل يمكن أن تكون اهتماماتنا عادية، فنية أو ثقافية وأن تكون أسئلتنا غير مرتبطة بالموت (قتلاً)، أسئلة حياة تبحث عن الضوء، عن أن تفهم وتشعّ وتترقّى، لا أسئلة حياة تحاول الهروب من الموت قتلاً وتحاول أيضاً تحليله؟
وَقَفَ الرجلُ، حمل الميكروفون بيده، شدّ عليه بأصابعه وعلا صوته ناطقاً بما اعتبره سؤال حياته. الرجل أصبح في الستين. تغيّر، لا يشبه مظهره الآن ما بدا عليه مظهره في صور قديمة. الرجل يشبه الآن صوصاً ضخماً، قسمات وجهه تضاءلت، لكن حجم جسمه أصبح أضخم.

جلست زوجته إلى جانبه، تحدّق إليه بنظرات الإعجاب نفسها التي هي من دون شك سبب استمرار الحياة بينهما.
هي لم تتغيّر كثيراً، التجاعيد في وجهها متوقّعة وناضجة وجميلة. أما هو، فإذا تكلّمت على شكله فقط، يمكن أن أقول إنه أصبح إنساناً آخر، وحشاً متواضعاً. يتمشيان معاً، الرجل وزوجته، يشتاقان معاً إلى أولادهم الذين هجروا البلد واختاروا هويات جديدة وبيوتاً جديدة وأسماء جديدة و«ذاكرات» جديدة.

مشيت مع الرجل وزوجته، وخلال نزهتي تلك معهما، أحببت كآبة الحجارة في بنايات لا أراها كلّ يوم. وهذه البنايات تبقى بالطبع في أمكنتها ولا تختفي، لكن أحداث النهار وفوضى المشاهد في الشوارع وفوضى الأصوات أيضاً تجعلني أتجاهلها، كما تجعلني الآن أتعاطف مع قبحها. وأحياناً بكل بساطة لا أراها.
لقد ألفتُها واستسلمت لغزوها صوراً بقيت في ذاكرتي للمكان قبل أن تقتحمه.
حملني لقائي بالرجل وزوجته إلى خارج صفحات الجريدة وخارج لوحة الكومبيوتر، طويتُ الجريدة وهربت من الكومبيوتر. وانضممت إليهما في نزهة انتهت قبل لحظات من بدء الفيلم.

لم تمتلئ القاعة، فالأحداث تنافس أية مناسبة يمكن تنظيمها، وتنافس الكتب والألبومات الموسيقية والحفلات الغنائية والأفلام. والأحداث تنافس الأحداث. وفي زحمة الأحداث هذه، يحفر الخوف في الوعي وشماً ملتهباً. وفي اللحظة نفسها، يعانق الأملُ الخوفَ، ويرافق احتقارَ «التنين» الفخرُ بجرأة الراكضين إلى انتزاع مصائرهم من بطنه.
وهناك رصاص يمطر في الاتجاهات كلّها، وهناك أيضاً مَن يقفزون إلى جدار الرصاص ليدخلوا المكان المفقود، الذي أصبح بالنسبة إليهم جنّة، هرباً من المكان الذي اضطروا لحشر أنفسهم فيه.
هل ركّزنا على الفيلم وأحداثه؟ كان ثمة حنان في الجوّ، وبالنسبة إلى الرجل الستيني وزوجته، فالأحداث خارج الفيلم وخارج القاعة غير مدهشة. أما أنا، فأرتاح للحظة واحدة فقط «أقفل» فيها رأسي وأعترف، من دون أي رغبة في مقاومة حالتي، بأنني لا أفهم شيئاً.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077