بطاقة دعوة
كيف يمكن أن تسير مُستوية بهذا الشكل النموذجي؟ كيف يمكن أن لا تنسكب فجأة كمشروب غازي فُتح للتو، أو أن تتهشم كزجاجة؟ هل أسمعها تُدندن حقاً؟ أم أنني أُمارس عادةً قديمةً طوّرتها منذ سني نشأتي الأولى، حيث أعمد حيال تجارب الحياة صعبة الابتلاع إلى لعب دور الـ(ماكيير). فأعيد يشيء من التجميل نسخ كل التفاصيل غير المرغوبة بمؤثرات صوتية ومرئية هي أقرب الى الهلوسات حتى لا تعود القصة تشبه نفسها.
كيف يُمكن أن تجلس بهدوء رهيب تُقلّب مجلةً فنيةً تافهة بكل هذا الاهتمام، أو أن تخوض جدالا عنيدا ومألوفا مع والدتي عبر الصالة حول دورها في جلي الصحون؟
أُسرع إليها بهلع أحمل بطاقة الدعوة وبدون أن أتمكّن من طرح أي سؤال تشيح ببصرها نحو شاشة التلفزيون حيث ممثلة أربعينية ترتدي زيا جامعيا، تسفك بتصنع شلالاً من دموع التماسيح لسبب لا علاقة له بالحبكة ولا بالبناء الدرامي. أقف أمامها كالبلهاء أنتظر إجابة تنتشلني من حالة الجزع التي انتابتني حالما قرأت اسمه وحده على بطاقة الزفاف الملقاة عرضا على الطاولة الى جانب صينية القهوة وكمّ الجرائد المقروءة والمطوية بإهمال، فتبدو عبارة مسكوبة بقدر من العناية كـ «مابي أتكلم عن هالموضوع» غير كافية على الإطلاق!
أُراقبها بقية اليوم وأنا متحفّزة أكثر من سيارة إسعاف، بينما تحيا يوما عاديا جدا. تُهاتف صديقات تحب بعضهن وتجامل البعض الآخر، وبين الفينة والأخرى تطبع شيئا روتينيا على البلاك بيري لا يبدو بتلك الأهمية. تسألني عن قميصها الأبيض:
«اللي جبته من ساكس.. عرفتيه؟ اللي ممسوك من الصدر أبي البسه بكرة...»
وعندما لا تجده تختار آخر لا يتعارض مع قوانين الزي الجامعي المطبوعة بعناية على ورقة سخيفة، مُعلقة في كل ركن من أركان الجامعة، و مذيّلة بعبارات التهديد شديدة اللهجة.
تدخل الغرفة مساءً ببجامتها، فارعة كقصبة، مُستوية كبحيرة ماء في يوم ساكن. تتوقف في طريقها إلى السرير أمام المرآه لتربط شعرها بحركة عفوية وهادئة. تنتبه فجأة للبطاقة الموضوعة بتحد سافر على التسريحة. تلقي إليّ عبر المرآة بنظرة ساكنة لا أفهمها. وبدون أن تلتفت الي تتجه نحو السرير، تسير إليه مستوية بطريقة نموذجية على نحو مزعج. تضع رأسها على الوسادة بدون أن تنسكب. وما أن تسحب الغطاء فوقها حتى أحملق فيها لدقيقة كالبلهاء ثم انفجر وحدي في بكاء غبي.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024