تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

حكاية 'باص'

توقّفي عن طرح الأسئلة، اكتمي أسئلتك وانسي علامات الاستفهام. تلك نصائح تمتمتها لنفسها قبل النوم وبعد صحوها. مَن هي؟ هي امرأة مسؤولة، تقول إنها مسؤولة عن إنسانيتها وإنها صندوق الأسئلة، أسئلة بمستويات عدة، أسئلة سخيفة وأخرى لا إجابات عنها لصعوبتها. ومعظم الأسئلة لا تجد لها أجوبة. هي حارسة الأسئلة وصانعتها.
لكنها أيضاً في ليالي وحدتها الجميلة لا تعرف نفسها. وقد أصبحت تخاف من المساء حين تواجه وحوش الحقائق المصوّرة على شاشة كانت تعتبرها صديقتها الوحيدة في شقتها.

ما تراه يفوق قدرتها على الفهم. الشباب يساقون إلى باصات تأخذهم إلى موت بطيء أو موت سريع. وليس الأعداء مَن يفعلون بهم ما يفعلون، يجرّونهم من رؤوسهم إلى الباصات بأوامر من قائد الباص الأكبر، ليست الحرب المعلنة على الشاشات حرباً بين أعداء تاريخيين. ما تراه يفوق قدرتها على التماسك.
فتترك نفسها تنهار للحظات. ثم تعلن مجدداً حربها على الأسئلة بسؤال: ما الذي يمكن أن تفعله هي؟

وثمة سؤال لا تنجح أبداً في محاربته: ما الذي أفعله هنا؟ هو سؤال لا يتركها ويتشبّث بها في مركز عملها حيث تحلم بأنها تدوس السؤال بقدمَيْها، وتقفز عليه لتدمّره، لكنه ينبت مجدّداً بحروف صخرية. ماذا أفعل هنا؟ تنظر حولها، المكان مريح، والصمت هنا لا بأس به، أما الثرثرة، فتكاد أن تقتلها.
عندها تسخر من نفسها ومما تفعله «هنا»، وقد ظنّت خلال أعوام أنه الصواب بعينه وأنها صاحبة إنجازات كثيرة.

الوقت يضحك عليها، نعم يضحك، وليس الخطأ مسموحاً به الآن بعدما أصبحت في هذا الفصل من عمرها، ولا تُغفر لها الآن السذاجة أو الغباء، كلّ إخفاق محسوب عليها الآن.

راقبتهم وهم يضعون الحيّ كلّه في باص غادر المحطة في رحلة جهنّمية. يريد سائق الباص أن يغيّر الطبيعة البشرية. فكيف يولد هؤلاء الركّاب بألسِنة وعقول؟ ومتى صحوا من تأثير المخدّر طويل الأمد، وكيف يصحون ومن سمح لهم بأن يصحوا؟ يعلو صوته فوق صمتٍ صاخب.
أنا القائد وأنتم لا تفهمون شيئاً، سأقود الباص رغماً عنكم، سآخذكم في "باصي" إلى حيث أريد، أنتم ركّاب لا يتكلّمون ولا يسألون ولا يلوّحون بأيديهم، أنتم تماثيل ركّاب، بقايا بشر، وأنا أملككم مثلما أملك الباص.

وهي تسأل نفسها: ما حكايات الباصات؟ ثمة باص آخر ارتبط بذاكرة حرب أهلية طويلة ابتلعت بشراً كثيرين. تفكّر في أنها تكره الباصات وأنها لن تركب حافلة بعد الآن.
ثم تسأل أيضاً: ما الذي تفعله «هنا» حيث الأحداث تدور في شكل طبيعي وحيث كل ما يُكتب ويُقال لا يرقى إلى مستوى الإنسانية المسؤولة. ويجيبها صوت تعرفه جيداً:أخذنا حصتنا من «الباصات»، فلنعش الآن من دون أسئلة.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077