تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

بعد كلّ ما جرى

في صباح من صباحات نتوقع فيها أن نزيح الخيبة، نحرّكها لنبعدها عنها، فلا تتحرّك، أيمكن بعد كل هذا الأمل أن نستقبل الخيبة مجدداً، خيبة من خوف جدّد نفسه؟ نحار بين أن تكون الحياة أبسط، بألا يكون علينا كل لحظة أن نحارب لأجل تغيير مصائرنا، وبين أن نطرد فكرة التعامل معنا على أساس أننا يجب أن نكون بسطاء ولا نطالب بحقوقنا أو نفكر فيها. نحار بين البساطة والاستسلام. لا، الاستسلام غير وارد ليس بعد كل ما جرى.
والحقد أيضاً لا نريده، ليس بعد كل ما جرى. أحياناً نحسّ بأن علينا أن نسأل: ما الذي جرى؟ ونتنقّل بين الحلم والكابوس في اللحظة نفسها.



الوقت
لماذا ينظران إليّ هكذا؟ ابتسامة غبية تلوح في عينيّ أحدهما. يتسلّل حديثهما إليّ: «زلزال ضرب العالم العربي وننتظر زلازل أخرى».  والصحافية التي ألتقيها دوماً هنا تريد أن تحوّل أي حديث، مهما كان تافهاً، إلى قضية، وتفتح عينيها واسعتين ملصقة نظرة الدهشة بوجهها ثم تقول: «أنا أفكر وأنا أظنّ... وأنا أنا». غادرتُ سريعاً المقهى القريب من منزلي. اليوم هربتُ أيضاً من الشاشات والصحف، إلى أوقات أمضيها مع ابنتي. هناك في صف «الباليه» نسيتُ كل شيء، وركّزت على حركات الصغيرات في أزيائهن الوردية. ورأيت ابنتي بينهن تلتفت إلى الخلف وتبتسم ابتسامة عريضة ما إن تتأكد أنني ما زلت هنا أراقبها.

أطلع دوماً على دراسات عن الأوقات التي تمضيها الأمهات العاملات مع أولادهن. ويتراوح هذا الوقت بين النصف ساعة والساعتين والنصف في اليوم الواحد، إذا كانت الأم تعمل ضمن ساعات الدوام الكامل. ومعروف أن أوقات الدوام لا تلتزم بالضرورة بقوانين تحمي العامل أو العاملة والموظف والموظفة في مجتمعات يتحكّم بها مبدأ المنافسة.
وينظّر الخبراء متحدّثين عن «نوع» الوقت الذي يمضيه الوالدان مع أولادهم، وأهميته بالنسبة إلى «كمية الوقت» أو عدد الساعات في اليوم الواحد. كما تشير التقارير الأخيرة إلى أن الوالدين الحائزين شهادات عليا يمضيان أوقات فراغهما مع أولادهم، في القراءة لهم واللعب معهم، بدلاً من النوم والراحة. وفي هذه الحالات يتقاسم الأم والأب الواجبات. ونحن في العالم العربي نحظى بمساعدة في البيت لا تحظى بها معظم العائلات في المجتمعات الغربية.

التعب النفسي يضاف إلى التعب الجسدي الذي يرافق الأم العاملة آخر النهار، دوماً نسمع شكاوى الأمهات «لم أمض مع الأولاد وقتاً كافياً اليوم». فلنقدّر أدوار المرأة بدلاً من أن نفرض عليها ما يكاد يتعدّى قدرتها على التحمّل. نعم، فكرة «نوع الوقت» صائبة، ولا يمكن أن نطلب من المرأة أن تتخلّى عمّا تعبت للوصول إليه. ولنقدّر تعبها. ولا شك أننا محظوظون في هذا الجزء من العالم بالعلاقات الدافئة التي لا تنقطع بين الأجداد والأحفاد. تطمئن الأم إلى ترك ابنها أو ابنتها مع أمها أو حماتها. لكن لا بد من الاعتراف بأن الجدة حين تربي حفيدها أو حفيدتها تتخلّى عن الحزم الذي لجأت إليها لتربية أولادها. الجدات يدلّلن الأحفاد مرددات: «ما أعزّ من الولد إلا ولد الولد». هذه تحية أرسلها إلى زميلاتي الأمهات وإلى كلّ أم عاملة.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077