تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

وجوه المهرجين

المسؤولية كبيرة، أن تحسّ بأنك مسؤول تماماً عن انتزاع مصيرك من عقول كادت أن تقضي على طاقة الأمل فيك بعدما قضت على غيرك، هؤلاء الذين دُفنت أعمارهم في اليأس والتوق إلى ما طالما اعتُبر مستحيلاً.
يجب أن نهنّئ أنفسنا كل لحظة على أننا نشهد تحقّق المستحيل. تحمّل التونسيون والمصريون المسؤولية، مسؤولية انتزاع حقوقهم بالحرية والكرامة ونجحوا. وهم يدركون أحجام مسؤولياتهم عن رحلة البناء الطويلة والصعبة، إعادة بناء مؤسسات الدولة وإعادة الثقة إلى المجتمع بقدراته.
ستكون رحلة صعبة في كلّ من البلدين، لكنها رحلتهم هم، هم البناؤون الواعون للخطوات التي يقدمون عليها على ما يبدو عبر تصرّفاتهم قبل نجاحهم في التخلّص من رأسَيْ النظامَيْن وبعد التخلّص منهما.

في لبنان، في بلدنا الصغير يصعب أن نصوّب أسلحة التغيير على ديكتاتور واحد، فكلّ من 'زعماء' الطوائف وأصحاب الزعامات والمناصب التي تلصقهم بها وتقدّمها إليهم هدايا انتخاباتٌ تشريعية يفرزها قانون انتخابي طائفي، كلّ من هؤلاء ديكتاتور.
لقد سمعنا من مصريين شباب كثيرين شكاوى من أنهم لم يعرفوا منذ ولدوا رئيساً للجمهورية إلا ذلك الرئيس الذي تخلّصوا منه. أما بالنسبة إلينا نحن اللبنانيين، فإن أسماء الزعماء وأصحاب المناصب هي نفسها منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي. والشابة اللبنانية الثلاثونية (والعشرونية طبعاً) والشاب اللبناني الثلاثوني، كلّ منهما يعيش مع هؤلاء 'الديكتاتوريين' منذ ولد.
والمصيبة هي أن بعض هؤلاء، من ميلشياويين سابقين ورؤساء سابقين ونواب ووزراء، كانوا في عمر الشباب حين استغلّوا الظروف و'ركبوا أمواج السلطة'، فجثموا على صدورنا وقتاً طويلاً وما زالوا جاثمين.
فلا يزال هؤلاء بابتساماتهم العريضة وعباراتهم المتقلّبة مثل تقلّبات مواقفهم السياسية، التي تتحكّم بها شهية كلّ منهم لتكديس الأموال، يرقصون على قلوبنا الذابلة. ولعلّ تلك الوجوه المهرّجة هي أحد أبرز أسباب انصرافنا أحياناً عن متابعة ما يجري في لبنان على أساس أنه 'فالج لا تمكن معالجته'.

الأمل المتسلّل إلينا من تونس ومصر ومن الجرأة المتفجّرة للشعوب العربية صفع عجزنا، لندرك أن دورنا جاء لتحمّل المسؤولية. وسيكون علينا أن نواجه وقاحة لا حد لها، واستخفافاً بعقولنا وإجراماً وغباء وعقولاً يسيطر عليها منطق الاستزلام والزبائنية. فلنواجه، لنبدأ برفض أمراء الحرب اللبنانية الكبرى والحروب الصغرى التي تلتها، وهي حروب مستمرّة. لنواجه أيضاً أمراء الحرب الجدد وغباءهم واستغباءهم وذاكراتهم القصيرة. 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077