تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

وجوه الوقت

توقفت عقارب ساعتي عن العمل. قررتْ ساعتي أن ترتاح. وأصبحتُ حائرة في فهم الموقف. ما الذي يمكنني أن أفعله الآن؟ يجب أن أحترم ساعتي على قرارها الجريء. أنا أيضاً سأتوقف عن العمل. سأرفض الانطلاق في السباق اليومي.

كان على ساعتي أن تتوقف كي أستطيع الكتابة. في الثامنة صباحاً من اليوم الثامن من الشهر الثاني عشر توقّفت ساعتي عن العمل. استطعت للحظة أن أجلس على سريري كي لا أفكر في أي شيء على الإطلاق. الوقت الآن لا يمرّ، اللحظات لا تتتابع ولا تصبح دقائق، وهذه الأخيرة لا تصبح ساعات. الوقت ينام. في ساعتي توقفت اللحظات عن خيانتي.

للمرة الأولى لا تغلبني اللحظات في السباق اليومي. للمرة الأولى يقبل الوقت بمعادلة «لا غالب ولا مغلوب». وإذا فكرت اللحظات الآتية في خيانتي سأتمرّد عليها. سأبقى مسمّرة في السرير، لن أتحرّك ولن أبالي بالأصوات المحيطة بي. ماذا لو ناداني ابني بعد عودته من المدرسة؟ لا أعرف، أفكر في الأمر لاحقاً. سأستغلّ توقّف الوقت لأكتب.

توقّف ساعتي هدية صباحية سمحت لي أخيراً بالكتابة. ألصق نفسي بالسرير وأكتب. وأرسم أيضاً وجوهاً وألسنة أمدّها في وجوه الوقت. ثم وجدتُني دون أن أنتبه إلى ما أفعله أنظر إلى ساعتي النائمة وأنتظر منها أن تكشف لي عمر اللحظة الجديدة. ها أنا أخون نفسي. سأتخلّص من الساعة كي تنام بهدوء. تردّدت، أأبقي الساعة حول معصمي أم أتخلّى عنها؟ هي جزء مني، جزء مهمّ مني لا يمكنني الاستغناء عنه بالرغم من أنه يعذبني خلال النهار.
نظرة واحدة تعلن بداية اليوم.

نظرة أخرى تعلن ضرورة دخول المكتب، ثم تتوالى النظرات إلى موعدَيْ الواجب الأول والثاني، ثم موعد الاتصال بأمي، ثم موعد الغداء، موعد الواجب العاشر، موعد العودة إلى البيت، موعد الواجب الخامس عشر، مواعيد تطوي نفسها وتطوي معها أيامي. توقفت ساعتي، فليتوقف يومي بمحطاته المتكرّرة. أعلن اليوم عصياناً على الروتين والواجبات والزمن.

أنا الآن حرّة، يمكن أن أغمض عينيّ لأعود طفلة صغيرة. وحين سأحلم بهذه الطفلة لن أدعها تكبر سريعاً وسأحيطها بلُعَب كثيرة ولن أدعها تلفّ ساعة حول معصمها، سأحرّرها من نصائح الآخرين ومن الواجبات المحدّدة من قبل أن تولد ومن عبودية الوقت. اليوم سيمتدّ العصيان إلى أحلامي.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077