شهر صيفي
أُسافر بكًل ما أوتيت من شغف. تتوقف الحياة «كما أعرفها» تماماً ما أن أصعد عتبات الطائرة المتجهة إلى مكان يختاره آخرون ولا أملك إلا أن اتبعهم مُمتنّة. وبدون سابق إنذار أختفي ببساطة!
تتراكم عشرات المكالمات التي لن أرد عليها في صندوق مكالماتي حيث أنوي هجر هاتفي النقال في غرفة سكنتها طوال الأحد عشر شهرا الماضية، وبجانبه تقبع منامتي التي خلعتها على عجل في طريقي إلى الخزانة باحثة عن أقرب «جينز». وبينما أقوم بتثبيت أزرار قميصي أسحب عباءتي وحقيبتي متجاهلة أصوات الآخرين المتذمرة.
بسرعة ورانا إجراءات وقرف!
أهرول مسرعة، أعيد ربط شعري بيد، واصفق بالأخرى الباب خلفي فيهدأ أخيرا كل شيء.
زوابع القلق الدورية من أحداث قد تعيد نفسها بلا نهاية، نوبات الحماس غير المبررة لمشاريع تبدأ جميلة ثم تشيخ فجأة بفعل الـملل. ماراثون الواجبات الاجتماعية الواقعة مابين فستان «هوت كوتور» وآخر. تبعات الصداقات المتاحة والمُغمّسة في الحسد تلدغنا «من تحت التحت» ونسمح لها باستنزافنا في مقابل أن نجد من يشاركنا فنجان قهوة.
وخلال ثلاثين يوماً تُشكل إيرادي السنوي من عمري أُحاول جاهدة إجراء عشرات التسويات المُجحفة للحصول على إجازة تشبه تلك التي أُريدها، ثم «أبوس يدي وجه وظهر».
أتجنب جادة «أوكسفورد» و«نايتس بريدج» تحسبا للالتقاء بالوجوه السمراء المألوفة، تلك التي تدور تحت «تاتو» حواجبها المرسومة بعناية حدقات مثقلة بالكحل الأسود تُجري مسحاً ميدانياً شاملاً وعالي الدقة للبحث عن قصص المعارف البسيطة. هل قلت بسيطة؟ حسناً لن تكون كذلك ما أن يُعاد تدويرها في جلسات النميمة والتشفي.
أقضي يومي في أزقّة لم يتم ابتذالها في منتديات السفر والسياحة «الانترنتيّة». أجلس كأجنبية صاخبة بعض الشيء في مقاهٍ انكليزية بالغة المحلية لم يسمع بها احد، استمتع بتخمينات «الغرسونات» الودودة حول جنسيتي.
- «اسبانيا؟»
أضحك بحبور وأجيب:
«نعم واسمي بينيلوبي كروز..»
يتقاضون قيمة فنجان الكابوتشينو بحرص ولكنهم يمدون لي طبق «المفن» بابتسامة رائعة تقول:
- «على حساب المحل».
أسير بلا هدف، أدلف أحيانا إلى صالة سينما تعرض فيلما لا يهمني كثيراً بقدر ما يهمني الـ«ناتشو»، أو أتجول في مكتبة عابره اشتري منها كتابا سأُجرجره معي إلى نهاية الرحلة ثم أُوضّبهُ في حقيبة سفري بدون أن أقرأه. وفي طريقي إلى الفندق أعيد صياغة الإجابات المُقررة عليّ كـ(وِرد) يومي.
-«ليش تأخرتي؟ وين تروحين من الصبح لين الحين؟ مين راح معك؟ .....»
أُجيب بآلية، ثم اصعد إلى غرفتي بضجر. أعيد عرض الشريط الفوتوغرافي ليومي بواسطة الكاميرا الديجيتال قبل أن أعيد شحنها، ثم اشطب خانة جديدة في التقويم ذي الثلاثين خانة من شهر (يونيو)، أطبع على «تويتر»:
«اليوم كنت راضية»: اغلق اللابتوب و أنام.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024