كلام آسر

06 كانون الأول 2010

جلسا إلى الطاولة نفسها في حفلة الزفاف. وقبل أن ينطلق صخبُ الاحتفال استمعتْ إلى كلامه عن تجربة زواجه الفاشلة. ابتسمتْ. وكانت قبل يومين فقط قد احتفلت بطلاقها. كلامه واضح وسهل وحقيقي. لحظة بدأ الكلام كانت تفكر في الاسم الذي ستستأصله من اسمها بعدما عاشت معه ثمانية أعوام. لكنها ستترك الصور الفوتوغرافية في أُطرها، لأجل ابنتها ستترك الصور في غرفة الجلوس. ستغيّر الستائر، وتخطّط أيضاً لتغيير لون جدران غرفتها. أما السرير، فقد تخلّصت منه الأسبوع الماضي بعدما أصبح طلاقها حقيقة. سترمي أيضاً بعض الألبومات الموسيقية.

في حفلة الزفاف تجلس صديقتها بينها وبين الرجل الذي أَسَرَها كلامُه. هو شقيق صديقتها العائد أخيراً من غربة طويلة. تنظر إليه بتعجّب. ولا تسأله «أَلَمْ أرَك من قبل؟». وقبل أن تقول له أي شيء تسرّ إليها صديقتها بأن شقيقها الجالس إلى جانبها ليس على ما يرام وبأنها خائفة عليه.
- «لكنه يبدو واثقاً بما يقوله وسعيداً به».
- «أعرف أنه ليس في حالة جيدة».

لم تطلب صديقتها منها الاهتمام بشقيقها. تمنّت لو أن صديقتها قبل سفرها توصيها بالسؤال عنه وعن أحواله. ثم قررت وحدها أن تتابع حالته. أحسّت بأنها وحدها قادرة على فهمه قبل أن ينظر إليها ويسأل: أتفهمين ما أقوله؟.
لم تتحرّك من مكانها طيلة السهرة. ولم تخجل من النظر إليه. تحسّ بأنه ضعيف وقوي في الوقت نفسه، وبأنها تجيد الاستماع إليه.

ووجدت نفسها خلال الأيام التي تلت لقاءها به تجول في أمكنته، في الشارع القريب من بيته والمقهى الذي يقصده. وهو تقبّل وجودها سريعاً. ثم لم يفاجئه توقّفها عن ملاحقته. لم يدهش لحظة واحدة. قبِل أن تلاحقه وقبِل أيضاً انسحابها. ارتاحت لردّة فعله، وهدأ العنف الذي استوطن صوتها خلال أيام. لا وقت لكشف الأقنعة، «فلنبقها لأنها أصبحت ضرورية» قالت لنفسها. وهو ما زال يبدو كأنه وصل من كوكب آخر، ولم ينسجم بعد مع الحياة على الأرض. لا دهشة في نظراته، هي لا تقصد الدهشة، بل الاستسلام التام للواقع. استسلام يوجع قلبها. حاولت أن تدعوه إلى العشاء، لكنه كان مستعداً للوحدة، جاهزاً لجرعته التي تأخرت، جرعة السكون.
قال لها قبل أن تتركه الليلة الماضية: «حققتِ إنجازاً بمطاردتي».

استغربت أن يتقلّص خجله منها بهذه السرعة. وهي كانت قد أحبّت ذلك الخجل الممزوج بالاحترام وبقليل من الريبة. لكنه أسقط القناع سريعاً. صديقتها محقّة، شقيقها ليس على ما يرام.