تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

في انتظار الأمل

الأخبار لا تهمّنا، ولا تؤذينا قلّةُ الأدب في الشوارع. ولا يهمّنا التلوّث ولا توق الأولاد إلى فسحة خضراء. لا تهمّنا زحمة السَيْر، ولا الوقت الضائع بين السيارات.

يجب أن نتمرّن على عدم الاهتمام. تجاهل جنون العيش في البلد هو العلاج الوحيد لأوجاع المعدة. فمن يهتمّ بنا إذا نحن أَوْلينا الاهتمام لهذه المصائب كلّّها؟ فلنتنفّس ما نتنفسه، ولنأكل ما نأكله، ولننتظر؟ وما الذي ننتظره؟

نحن دوماً في حالة انتظار. ننتظر أن تنفرج الأزمات المفبركة والحقيقية، وننتظر أيضاً أن تنفجر الأزمات المعقّدة وغير المعقّدة. ننتظر أول الشهر وننتظر آخره. فلنتوقّف عن العدّ. نستغرب أن ثمة بيننا مَن ما زال قادراً على التفرّج على الانهيارات والمسرحيات، وعلى متابعة الأكاذيب التاريخية والراهنة. أما آفات أبناء مجتمعنا التي نحاول الابتعاد عنها، ونحاول ألا نقع ضحاياها، فيجب أن نغضّ النظر عنها. فما الذي نستطيع أن نفعله غير أن نشفق على أنفسنا وعلى شباب «يكهربون» شوارع المدينة لأنهم ربحوا في انتخابات طلابية جامعية؟

بعيداً عن الوعظ، بعيداً عن النقد المتعالي، يحقّ أن نسأل عمّا يجري. ما الذي يجري؟ فنحن نشهد على تفكّك المجتمع وانهياره. ونسأل لماذا؟ كل يوم نسأل لماذا؟ كل لحظة نسأل لماذا؟

نحاول أن نجيب ثم نقرّر ألا نهتمّ بالموضوع كلّّه. لكن هل نستطيع ألا نهتمّ؟ أسباب التفكّك كثيرة ولا تُحصى، وهي تاريخية قبل أن تكون اجتماعية وثقافية. ما الذي نستطيع أن نفعله لنحوّل انتظارنا المزيد من اليأس إلى انتظار للأمل؟ فلنصدّق أغنية فيروز ولننتظر.

لعنة الحنين (مشهد آخر)
تلاحقها لعنة الحنين، وكذلك التوق إلى إنجاز كل شيء في الصورة التي يعتقدها الآخرون قريبة من الكمال. اكتشفتْ ضعفها بعد فوات الأوان، لكن هل عليه أن يحوّل لقاءاتهما إلى جلسات تحليل سيكولوجي للسبب الكامن وراء الخطأ الأكبر، الخطأ الذي لا رجوع عنه، كما سمّاه. يقول خطيبها إنها أخطأتْ بزيارتها «الرجل القديم» حين علمت أنّ هذا الأخير رجع إلى بيته الجبلي بعد حادث سَيْر أفقده قوّته واحتمالات السعادة. أرادت أن تبحث عنده عن دفاترها القديمة التي تقرّبها من أعوام أحبّتْها رغم كلّ شيء. وأرادت أن تستردّ صوراً ورسوماً كانت قد خطّتها بإتقان مفتعل إلى جانب قصائد لخليل حاوي وكلام كثير عن وهم النهضة. كانت قد رسمت في دفاترها جدائل وعقداً كثيرة.

هذا لقاؤها الأول بالرجل القديم منذ هربت منه. وكان الهواء في حديقة بيته ناقصاً. أحسّت بالرغبة في أن تقفز من الشرفة إلى سيارتها، فتمسّكت جيداً بالدرابزين الأسود. لكنّها تحتاج إلى أن تودّعه وداعاً يليق بعلاقتهما القديمة، خصوصاً أنها هربت منه فجأة  قبل أعوام قليلة. انتظرها في الشرفة، وحين جلسا معاً لم يمضِ الوقتُ من دون أن تحسّ به، ولعلّ الوقت لم يمضِ أبداً. ودّعتْه بعد دقائق من وصولها من دون أن تحسّ بالراحة ومن دون أن تعرف تحديد ما أحسّت به تجاهه. كان عليها أن تهرب مرة ثانية، لكنها هذه المرة اكتشفت نضجها، فودّعته قبل أن تهرب. 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077