تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

بطل الأبطال

لا يتوقّف الحوار بيني وبين البطل. ليس هو الكاتب ولا يحاولُ أن يمليَ عليّ الجملَ غير المترابطة. هو فكرة، مجرّد فكرة تحدّد عالمي في عالم يتّسع ويضيق. ما الفرق بيني وبين صديقتي الأوكرانية؟ حاولنا أن نعدّ الفروق لكنها لا تعدّ لأنّها سطحية وسخيفة، ولا يجب الاعتراف بها. اتفقتُ أنا وصديقة إسبانية أننا مرآتان، أنني مرآتها وأنها مرآتي. العالم يضيق بنا، جميلة فكرة تشابهنا، ورائع أن يتبدّد شبح الآخر في زواية ما من زوايا رؤانا.

لكن أماكننا أيضاً باتت تتشابه، فثمة نماذج عالمية للعمارة والفخافة الحديثة تسرق من كلّ من أماكننا التاريخ والشخصية والألوان والقصص أيضاً. إنّه هوس الاستهلاك الذي لم تخفته الأزمات الاقتصادية. فكّرت في أشياء كثيرة وأنا أمشي بعيداً عن بطل أبطالي. ثم كتبت له: هل يمكن أن أخبرك شيئاً عني؟ الآن، اليوم للمرة الأولى أؤمن بأنني يمكن أن أحبّ الحياة. لكن يجب أن تعلم أنني لست واثقة تماماً بما أقوله. لذا أختار جملاً طويلة، جملاً متردّدة أعبّر فيها عن إيماني الجديد بالحياة. وربما كلّما تعقّدت الرؤى صدّقت أن الحياة حقيقية وأنني يمكن أن أؤمن بها. فكرت في كلّ هذا وأنا وحدي في طريق تبعدني عنك وعن قصص كتبتُها لأنك أنت بطلها، وعن أبطال كتبتُ ملامحهم لأنك أنت بطلهم. أنت بطل أبطالي.

في الصّين التي زرتها أخيراً، لم أتخلّ عنك. في آخر الدنيا، خبّأتك في قلمي وأوراقي وعدت إليك بين حين وآخر في التاكسي والمصعد وأحياناً في مطعم قريب من السماء. أما زلت تتساءل لمَ لستُ غبية؟ ثم تقول: الغباء مريح والتساؤلات تقتل أحياناً. لمَ لا تصدّقني حين أقول إن كآبتك مضحكة أحياناً؟

هي السماء نفسها في الصين تطلّ علينا والإحساس بها لا يختلف بين هنا وهناك. وثمة في الوجوه تعبٌ غريبٌ، تعب قديم وبؤس ولد مع البعض وسيرثه أولادهم. وثمة بين أهل الصين مَن يتوقون إلى قضم الحياة الغربية، وهؤلاء يلمعون ويبرقون، تزيّنهم جواهر العولمة وأزياء الماركات العالمية التي أصبحت أزياءهم الموحّدة.

بين الوجوه العابسة والوجوه المستعدّة للضحك، زارني وجه حائر بين لطافته وضياعه في لغة ثالثة ليست لغته ولا لغتي، لكنها يُفترض أن تجمعنا. لغة واحدة يُفترض أن تجمعنا. التقيتُه في مركز الفن الصيني المعاصر بين صالات العروض الفنية ومتاجر الهدايا الصينية الصغيرة. وحاولت أن أقول له إنه تاجر فاشل، إلا أنني اكتفيت بأن ذكّرته بثمن الصحن الذي وجدته بين أكياسي. ابتسم لي الشاب العشروني، وعرض عليّ أن أشرب معه الشاي الأخضر. جلست قبالته أحيط كوب الشاي الساخن بكفيّ وأستمع إلى لغة الصمت التي تجمعنا. كان علينا أيضاً أن نستمع إلى صوت المطر. سكنتني خلال تلك اللحظات راحةٌ "صينيةٌ" غريبةٌ.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077