لم يستسلمن لشبح الفشل نساء يرفعن شعار: 'الحياة تبدأ بعد الطلاق'
بعض النساء يعتبرن الطلاق نهاية لحياتهن، ويدخلن في حالة من الاكتئاب والعزلة، وقد يمتنعن عن تكرار تجربة الزواج مرة أخرى خوفاً من فشل آخر. لكن في المقابل، هناك من نجحن في تجاوز تعقيدات تجربة الطلاق، ويؤكدن أن الحياة تبدأ من جديد بعده. وأنه نهاية من أجل بداية جديدة. «لها» سألت عدداً ممَّن مَرْن بتجربة الطلاق عما إذا كَنَّ قد تجاوزن تلك التجربة، وكيف كانت حياتهن بعد الطلاق؟ وهل يشعرن بالحنين أيضاً إلى حياتهن الزوجية؟
سارة: حياتي لم تتوقف بعد الطلاق ومستمرة في تحقيق نجاحاتي
سارة (مهندسة، 36 عاماً) تخلصت من لقب «عانس» عندما تزوجت في الـ32، وبعد الزواج بعامين حصلت على لقب «مطلقة»، وتؤكد أنها بدأت حياتها من جديد بعد الطلاق.
تقول: «تزوجت من أستاذ جامعي يكبرني بثماني سنوات، أبهرني بشخصيته وكلامه المعسول. لم تستمر خطبتي أكثر من ثلاثة أشهر، فنظراً إلى كوني «عانساً» لا يوجد وقت للخطبة، واقتنعت بأن التعارف بعد الزواج أفضل وأكثر واقعية، إلا أنني وجدت شخصاً مختلفاً بعد أسبوعين من الزواج، عصبياً جداً، يعاملني كجارية ولا مانع من الضرب والإهانة. ورغم أنني واجهة مشرفة له في اللقاءات العامة، كان يستشيط غيظاً عندما يثني الجميع على ذكائي وثقافتي، لذا فضلت الانفصال وأغريته بالتنازل عن كل حقوقي فوافق».
وتضيف: «حياتي لم تنته بعد الطلاق، بالعكس بدأت من جديد، لأنني مستمرة في تحقيق نجاحاتي. تابعت الدراسات العليا، واستغللت فترة رعايتي لابنتي كوني طلقت وعمرها شهر، وحصلت على شهادة الماجستير، ثم حصلت على عمل مناسب بأجر جيد».
سميرة: الفشل مرة لا يعني النهاية وسأتعلم من أخطائي
البخل والفقر المدقع المترتب عليه في زواج سميرة (29 عاماً) جعلاها تجزم بأن الحياة تبدأ من جديد بعد الطلاق، وتقول: «توقفت الشمس عن الشروق في حياتي مع زواجي، وشعرت بأنني أعيش في كهف مظلم كما الخفافيش. زوجي كان رجلاً بخيلاً للغاية، يعشق الادخار وشراء العقارات والأراضي نظراً لأصوله الريفية، وفي الوقت نفسه كان يرغمني على مشاركته في نفقات المنزل ولا يتكفل بي مادياً على الإطلاق. ولأن زواجي كان تقليدياً فكرت في الاستمرار فترة بلا أطفال، وتناولت حبوب منع الحمل دون علمه كي لا أرتبط بطفل يذكرني به حال طلبي للطلاق، وبالفعل طلبت الطلاق بعد 7 أشهر من الزواج، فرفض وأرغمني على اللجوء إلى الخُلع كي أرد إليه مهره، فلم أتردد في ذلك وتخلصت منه».
تضيف: «زواجي من ذلك الرجل كان بمثابة حكم بالإعدام، وأعترف بأنني أخطأت في الاختيار. لكن حياتي بدأت من جديد بعد الطلاق، أصبحت أرى الشمس تشع أملاً، وبدأت أطور مهاراتي، وأدرس حالياً دبلومة ترجمة فورية في الجامعة الأميركية. ولا أرى أن فشل التجربة مرة يجعلني أخشى تكرارها، بالعكس سأتعلم من أخطائي».
الكاتبة عواطف عبد الحميد: الذكية من تصنع من الثمرة المرة شراباً حلواً
«نعم الحياة تبدأ بعد الطلاق، وهذه ليست دعوة للطلاق حاشا لله، لكنها فقط دعوة لبداية جديدة، بعد زواج قد يكون الانفصال هو الحل الوحيد له، فالطلاق ليس شراً مستطيراً، ولا هو نهاية الكون، إن كان قدراً ومكتوباً فالله لا يقدّر شراً، ودائماً لا يأتي إلا بالخير». بهذه الكلمات بدأت الكاتبة عواطف عبد الحميد حديثها عن الطلاق، فهي شاهد عيان عليه من خلال بابها المخصوص بالمشاكل العاطفية «أوتار القلوب» على موقع «لهنّ»، والذي طبعت جزءاً كبيراً منه في كتاب أطلقت عليه الاسم نفسه.
وتضيف: «قال الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي: «أشد أوقات الليل ظلمة هي تلك التي تسبق ضوء الفجر وهكذا الحياة»، قد يكون الطلاق فيها بمثابة هذه الظلمة الحالكة التي يعقبها ضوء فجر حياة جديدة، وقد شاهدت بنفسي تجارب كثيرة بدأت الحياة فيها بعد الطلاق، فالمرأة الذكية هي من تصنع من الثمرة المرة شراباً حلواً، كما قال ديل كارنيغي في كتابه «دع القلق وابدأ الحياة». كثيراً ما شاهدت مطلقات عدن إلى الاستمتاع بالحياة من جديد، وتخلصن من تجربتهن الفاشلة وبدأن تجربة جديدة وكأن شيئًا لم يكن، والشيء المشترك بينهنّ جميعاً أنهن أيقنّ أن الحياة لا تهتم بالضعفاء الكسالى والمحزونين، لكنها ترحب بالأقوياء المتفائلين القادرين على التحدي مع الأخذ بالأسباب».
وتنصح عبد الحميد كل امرأة قائلة: «الطلاق ليس وصمة عار، هو فقط لقب ثقيل عليك التخفف منه بالاعتماد على نفسك والثبات في مواجهة الحياة والعزم والإرادة، فالضعف يجعلك مطمعاً للكثيرين، لكن قوتك واعتدادك بنفسك سيجعلانك مثار احترام الجميع وسيزيدان ثقتك بنفسك وبالحياة».
المحامية عزة سليمان: للتنشئة الاجتماعية دور مهم في حياة المرأة بعد الطلاق
من جانبها، تؤكد المحامية عزة سليمان، رئيسة مركز قضايا المرأة، أن تأثر المرأة بالطلاق يختلف حسب ثقافتها الاجتماعية.
وتوضح: «في الأوساط الاجتماعية المتوسطة الثقافة والتعليم أو الأمية، غالباً ما يكون الطلاق سبة في جبين المرأة تنكسر بعد وقوعه، وهذا ما شاهدته في برنامج الدعم النفسي «طبطبة» الذي أقدمه للنساء في القرى الأكثر فقراً وأمية. فالمطلقة تغيب عنها البسمة، ووجهها دائماً شاحب اللون من الخجل، لكن بعد إعادة بث الثقة في نفسها، تفهم أن الحياة لن تتوقف، وأن عليها التخلص من أحزانها لتعود إليها البسمة والأمل».
وتضيف: «للتنشئة الاجتماعية دور مهم في حياة المرأة بعد الطلاق، فهناك آباء يزرعون القوة في بناتهم، ويؤكدون استقلالية شخصياتهن وضرورة الاهتمام بعملهن كي يكون سلاحاً لغدر الزمن، وهنا فقط لا تتوقف حياة المرأة بعد الطلاق».
الكاتبة فاطمة ناعوت: كل نهاية هي بداية جديدة
وترى الشاعرة والكاتبة الصحافية فاطمة ناعوت، أن كل نهاية هي بداية جديدة على نحو ما، وهي قاعدة هندسية معروفة. وتضيف: «نحن من نقرر أن نجعل من الأمور نهايات وإغلاقًا للحياة، أو نجعل مما نظنه انتهاءات للحياة بدايات جديدة. في تجربتي الشخصية، ما زالت تجمعني بزوجي السابق علاقة صداقة، ورغم أن العلاقات الزوجية عادة ما تنتهي في المجتمعات العربية، أحادية التفكير، بالشقاق والخلاف الذي ربما يصل إلى ساحات القضاء، على أن أزواجًا آخرين قد ينهون حياتهم الزوجية، كأنما يبدأون حياة جديدة، يقدم فيها كل طرف أوراق اعتماد جديدة، ليس كزوج وزوجة بل كأصدقاء وأشقاء. وفي معتقدي أن الصديق يعلو درجة عن أشقاء الجسد لأن عنصر الاختيار متوافر في الصداقة، بينما عنصر الإجبار موجود في الأخوة وفي كل العلاقات الجسدية بشكل عام».
وتكمل ناعوت: «في أوساط الطبقة الوسطى، عادة ما ينتقل الطلاق إلى ساحات المحاكم، بينما في الطبقات البسيطة الشعبية والريفية، يتعاملون مع مشاكلهم بسلاسة أكثر. ويحضرني الآن الفيلم البديع «خلطة فوزية» للروائية هناء عطية، والنجمة المتألقة إلهام شاهين التي جسدت دور هذه السيدة الأمية الشعبية البسيطة التي استطاعت أن تحول مطلقيها الأربعة إلى أصدقاء يملأون بيتها بالونس والدفء، ودربت زوجها الخامس على كيفية التعامل مع أولئك السابقين دون مشاعر غيرة بينهم. في الطبقات العليا، قد ينجحون في كثير من الأحيان في التعامل مع الطلاق ببساطة ودون أن يتحول الأمر إلى خلافات وشقاق».
رانيا يوسف: بعد الطلاق الثاني قررت التفرّغ لفني وابنتيَّ
الفنانة رانيا يوسف تزوجت مرتين، وانتهت الزيجتان بالطلاق. وحول تجربتيها تقول: «تجربتي الثانية تحديدًا جعلتني أقرر ألا أتزوج مرة أخرى مهما حدث، وهذا القرار لم يأت نتيجة انفعال أو تهور، لكني مقتنعة تمامًا به، فأنا مكتفية بالحياة مع ابنتيَّ والتفرغ لفني وتربيتهما على القيم التي تساعدهما على مواجهة الحياة. استمر زواجي الأول بالمنتج محمد مختار أكثر من 12 سنة، وانفصلنا في هدوء، ودون مشاكل، وبقيت البنتان معي، وظل هو على علاقة طيبة بهما وبي أيضًا، فما زال الصديق الذي أرجع إليه وقت الشدة. أما الزيجة الثانية، التي كرهتني في الحياة، فكانت مع كريم الشبراوي الذي خسرت بسببه كل شيء، خاصة أنني اكتشفت أنه تاجر باسمي وشهرتي، ولم يصبني أحد بضرر قدر ما فعل هو بي. وأحمد الله أنني تخلصت منه على خير، وهو الذي ساعدني في اتخاذ قرار عدم الزواج مرة ثالثة، مهما كانت المغريات. وسوف أتفرغ، كما قلت، لفني وابنتيَّ، خاصة أنهما أيضاً موهوبتان، واحدة في الغناء والأخرى في التمثيل، وسوف أساعدهما في صقل موهبتيهما. باختصار ستكون ابنتاي مشروعي المقبل بعيدًا عن أي رجل يدخل حياتنا».
لقاء سويدان: الذكريات يصعب نسيانها
الأمر كان مختلفًا تمامًا في حالة الفنانة لقاء سويدان التي انفصلت عن زوجها الثاني الفنان حسين فهمي، بعد قصة حب وزواج استمرت سنوات كانت حديث الوسط الفني، قبل أن تنتهي بهدوء ودون معرفة الأسباب الحقيقية للانفصال. وعن حياتها بعد الطلاق تقول لقاء: «لن يكون الطلاق أبدًا نهاية حياة، لا أنكر أنني تأثرت لفترة بانفصالي عن حسين فهمي، لكن الود والاحترام اللذين كانا ولا يزالان يجمعاننا، يجعلانني أرفض الخوض في التفاصيل والأسباب. وعمومًا لا أرى أن الطلاق هو نهاية الكون، فأنا ما زلت صغيرة وسوف أتزوج مرة ثالثة، وأنجب أطفالًا، إلى جانب ابنتي الوحيدة جومانة، فهي لا تزال صغيرة وتحتاج بالطبع إلى وجود إخوة لها، والحمد لله العمر أمامي طويل لتحقيق ما أحلم به».
وتكمل: «لكن العشرة والذكريات يصعب نسيانها في حالات كثيرة، خاصة إذا كانت هناك علاقة حب واحترام بين الزوجين، وفي الحياة عامة، كلنا يستمتع بذكرياته الطيبة. ولا أنسى بالطبع أن حسين كان يعاملني كأميرة ويحب ابنتي جومانة ويعاملها بحب شديد، وكانت هي أيضًا تحبه وتحترمه، وهي إنسانيات لا تُنسى، لكن الحياة لا تتوقف عند شخص ما، ولا عند حدث، وأنا متفائلة دائمًا ومنطلقة وأحب الحياة، وسوف أعيشها بكل ما فيها، لأن العمر كما قلت ما زال أمامي».
الدكتور أحمد عبد الله: الرجال أكثر تأثراً بالطلاق من النساء
من الجانب النفسي، يؤكد الدكتور أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أن المرأة «تتوقف حياتها بعد الطلاق إذا كان الرجل محور حياتها ومشروعها الوحيد في الدنيا، خاصة أن مجتمعنا يربط الطلاق بالفشل، لذا يتوقف حال المرأة بعد الطلاق على كيفية رؤيتها للطلاق نفسه».
يضيف: «لا تتأثر المرأة كثيراً إذا وقع عليها طلاق منصف لا يحرمها من حقوقها وأولادها، فضلاً عن أنها أصبحت تخرج من العلاقة الآن بسهولة أكثر، وأصبحت غالبية النساء من ذوات المؤهِّلات العليا ولديهنّ الاستقلالية المادية والمهنية والحياتية، وفي الوقت نفسه فإن الرجل المطلق أكثر تأثراً بالطلاق، خاصة إذا كانت علاقته بزوجته حميمة وجيدة، نظراً للتأثر الشديد للرجال المطلقين الذين يترددون على عيادتي من أجل الدعم النفسي».
ويقدم أستاذ الطب النفسي نصائح للطرفين من أجل زواج مستقر أو طلاق ناجح إذا اقتضت الظروف قائلاً: «تغيير أسلوب الزواج بكل مفرداته، بدايةً من التعرف، مروراً بمرحلة الاختيار أو الخطوبة التي يضع فيها كل طرف أجمل الأقنعة الموجودة لديه، فتسقط بعد الزواج ويُصدم كلا الطرفين. لذا يجب أن تبنى العلاقة من البداية على الصراحة وتقبل عيوب الآخر قبل النظر إلى مميزاته.»
التمهل في الخروج من العلاقة الزوجية حتى وإن لم تكن محبوبة، وهناك علاقات كثيرة استمرارها أفضل من فصلها. إذا كانت المرأة هي التي طلبت الطلاق عليها الاستمرار بقوة بعده وعدم الاستسلام لشبح الفشل. إذا فرض عليها الطلاق يجب أن تستقوي بنفسها وتستعين بالله، فالطلاق ليس نهاية الحياة، وليس فشلاً.
الدكتورة سامية خضر: حياة المرأة لا تنتهي بعد الطلاق لأنها أصبحت أكثر استقلالية عن الرجل
المرأة العصرية لم تعد ترى أن الزواج نهاية الدنيا، بل مرحلة فيها، مرحّب بها إذا كانت مثمرة، ووداعاً بلا أسف إن لم تكن كذلك»، بتلك الكلمات تصف الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع، حال المرأة المطلقة. وتضيف: «الاستقلالية المادية والعلمية أوجدت نوعاً جديداً من العوانس والمطلقات برغبتهنّ، والسبب في ذلك أن المرأة تغيرت وتطورت والرجل وقف كما هو «سي السيد» في ثلاثية نجيب محفوظ، ديكتاتوراً يضرب ويهين ويعتقد أنها الأحوج إليه، مما جعلها تتمرد عليه بعلمها واستقلاليتها وانخراطها المفيد في المجتمع. فكم من طبيبات ومهندسات عوانس ومطلقات، لذلك أنصح المطلقات بالخروج من أحزانهنّ والانخراط في المجتمع بالعمل أو استكمال دراسة محببة إليهن، وألا يرين الطلاق نهاية الحياة».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024