تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

أيلول

نمت سريعاً ما إن سمعت الخبر. رأيتها مرتين في حياتي أو مرة واحدة. وكنت في التاسعة، أذكر أنني علّقت على جمالها، حلمت بأنني سأكبر لأصبح مثلها. في طفولتي كنت أرسم الصورة التي سأصبح عليها بعد أن أكبر. وأقول: حين أكبر سأترك شعري طويلاً. حين أكبر لن أتخلّى عن أقراط الأذنين الطويلة. حلمت بكل ما يمكن أن تحلم به فتاة صغيرة عُلّمت أن أنوثتها مهمة وعليها أن تجهد في صيانتها والمحافظة عليها. تذكرت نفسي طفلة قبل أن أنام. وأجبرت نفسي على النوم كي أنسى الخبر. غابت الصبية الأم. رأيت اسمها صباحاً في الجريدة. الصدمة المكتوبة تضعنا مباشرة في مواجهة الحقيقة. هذه هي الحقيقة الوحيدة في الجريدة التي نتأكد منها ولا يمكن أن تهرب منا إلى احتمالات أخرى. أما ما تسمّى «حقائق» يجري البحث عنها، فهي «أفلام بوليسية» (هي عبارة استعملها فواز طرابلسي) مضحكة. الكلّ يعدنا في جريدة الصباح بأيلول أسود جديد. كم أيلول أسود عرفنا وسنعرف؟ وما قصة أيلول هذه؟ ماذا لو أتى تشرين بعد آب؟ هل من معجزة تخفي هذا الشهر؟ وأيّ فيلم يصوّر الآن؟ المضحك في الأمر أن الممثلين غير مقنعين وأن اللعبة مكشوفة. فأي فيلم سخيف يريدون منا أن نضحّي بأيامنا لأجله؟
نستأهل الجوائز على صبرنا وعلى القدرات التي نستمرّ بها في هذه الاستديوهات العالمية الضخمة.

يجب أن تكوني سعيدة بالحياة في بيروت قال لي زميل روائي غير لبناني. وقد أخافني غرام زملائي من مختلف الدول العربية بالحياة في بيروت. المقارنات بينها وبين الحياة في مدنهم جعلتني أحسّ بأنني في نعيم لا أعرف قيمته. أظنهم قصدوا حرية التعبير وخفة الهواء وغياب الظلال التي تتبع خطواتنا. أليست هذه حقوقاً لا يشكر أحد عليها؟ أية حريّة هذه في مساحة يتقاتل فيها أبناؤها؟ لا أعرف إذا كانت كلمة حرية هي الكلمة التي تصف ما نعيشه. فمعنى الحرية أسمى وأعمق. هو نعيم مهدّد بالعنف، صورة هذا النعيم غير ثابتة، الاهتزاز مسلّط فوق رأسها. في لحظة ستهتزون كلّكم، في لحظة ستدفنكم الأحقاد والحسابات الخارجية وجدران بيوتكم. ولن تستطيعوا الهرب، فقد حاولتم من قبل ولم تستطيعوا.

كنا في شارع الحمرا حين عبّر زميلي عن غرامه ببيروت. معه حق. هل يمكن أن نفكر في بيروت من دون أن تقتحمنا صور منطقة الحمرا؟ وقد جمعت صور منطقة الحمرا في كتاب جديد بعنوان «لكم حمراؤكم ولي حمرائي» نجح في إبراز روح هذا المكان. تحاول الصور أن تكشف لنا سرّ  المكان. هي صور صحف ومجلات معلّقة في الشارع العريق على حبال، وواجهات متاجر  تتداخل فيها انعكاسات عارضات شبه حقيقيات وصبايا يتمشين بدلال، وبائع اللوتو والصراف الآتي إلينا من فيلم عن المافيا الإيطالية، وصور قراء في المقاهي وزملائهم الذين يجيدون الإنتظار، وسيارات التاكسي، وشباب منطلقين إلى السهرة وحلاق أنيق يعيش في زمن الأبيض والأسود.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079