أحلام الآخرين
ما أن فرغت صديقتي (ن) من تكديس أغلى أنواع الثياب في خمس حقائب سفر، وبعد وصلة طويلة من الـ(زنّ) المتواصل مكنتها من إقناع زوجها بضرورة مغادرة الرياض هذا الصيف مهما كلفها الأمر، وهي الفكرة التي سيطرت عليها ما أن سمعت بخبر الرحلة الصيفية التي تنوي شقيقتهُ المصون القيام بها إلى أوروبا. أقول بأنها ما أن أكملت استعداداتها للسفر حتى صُعقت بالخبر الجديد الذي قلب موازين حياتها المقلوبة الموازين من الأساس.
«ألغت شقيقتي موضوع السفر هذا الصيف لأنها مشغولة بإجراءات التعيين».
«سارة ستتوظف؟!»
فجأة لم تعد فكرة السفر هي حلم حياة (ن). وبدون أن يفهم زوجها سر الانقلاب المفاجئ في موقفها راح يراقبها بذهول وقد انشغلت عن استعدادات السفر بزيارة المؤسسات والهيئات المختلفة بحثا عن عمل. وبعد أن اعتقد انه قد قارب تحقيق «حلم حياتها» بموافقته على أخذها إلى أوروبا أصبح عليه الآن وكبرهان على محبته لها أن يساعدها في تحقيق حلمها الجديد بالحصول على وظيفة مهمة تمكنها من اعطاء «معنى جديد» لحياتها.
«دور ربة المنزل لا «يحقق ذاتي». ارغب بـ«انجاز» شيء في هذه الحياة. أرجوك ساعدني».
وككل شخص (مُغرم)، وضع زوجها المنطق جانبا متناسيا موعد الفيزا الذي كان قد رتب له منذ شهر وتذاكر السفر غير القابلة للإرجاع، والإجازة التي كان قد قدمها. وبدأ من فوره بإجراء الاتصالات مع معارفه ممن يملكون من النفوذ ما يمكنهم من اختراع مسمى وظيفي بمميزات عالية تتناسب وتطلعات حرمه المصون، الأمر الذي كلفه الكثير على مستوى المال والكرامة.
-«بعد أسبوع تبدئين»
طارت (ن) من الفرح. وعبرت له عن امتنانها بالكثير من البذخ العشقي الذي لا تجيد سواه. وفجأة أصبح عملها المرتقب هو شغلها الشاغل. غشيت الأسواق بشكل يومي، و كدست أغلى أنواع الثياب في خزانتها المكتظة أصلا بأحلام الآخرين، واحتكرت الحديث في جلساتنا متحدثة على مسمع من الجميع عن دور المرأة في «دفع المجتمع إلى مزيد من الرقي» مستخدمة عبارات رنانة تسمعها يوميا من مذيعات البرامج الصباحية وقنوات المنوعات.
وكما ظهر حلمها بالعمل من حيث لا نعلم، اختفى أيضا من حيث لا نعلم. إذ وخلال إحدى الجلسات النسائية التي نقيمها دوريا وبعد ما يقارب الساعة من الحديث المتواصل عن عملها الجديد، توقفت فجأة عن وصف المكتب الذي تنوي شراءه ما أن دخلت إحدى الصديقات بفستان اسود خلاب من الموسلين الواسع كاشفا خبر حملها الجديد.
صمتت قليلا بالقدر الكافي لتهنئة الصديقة بالخبر السعيد ثم قاطعتنا ثانية:
«أنا وزوجي نفكر بإنجاب طفل جديد! لطالما كانت الأمومة حلم حياتي».
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024