تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

نهاية النهايات

أتعبتني مشاريعي المؤجّلة، وهي في معظمها قراءات مؤجّلة. أخيراً أمسكتُ الليلَ من أوّله واحتفلتُ بإنجازي هذا. وحدي في غرفة المكتب. وحدي من دون أصوات الهدم والبناء في شارعنا. ركضتُ نحو الهاتف لحظة سمعت رنينه. أخاف من هذا الرنين. وفي هذه اللحظة أخاف من الليل أيضاً. ترعبني الاتصالات الليلية. أردّ. لا يشبه صوتي نفسه. حين أدركت أنه اتصال من أميركا، ارتحتُ. أميركا «أمّ الدنيا» يقول أصدقائي الذين ابتلعتهم أمُّهم. تقول صديقتي المتّصلة إنها سعيدة وإنها تعيش الحياة التي خطّطت لها.

كيف يصل الإنسان إلى استنتاج من هذا النوع؟ أنا لا أعرف أي حياة أعيش. وأحياناً أعرف أنني أعيش حياة ليست لي. أفكر أحياناً في أن أحمل حقيبة متوسطة الحجم وأمشي إلى يوم فارغ من المسؤوليات. أعلّق الحقيبة على كتفي. قد أضع فيها كتاباً أو كتابين، فأتسلّح بالكتب بدلاً من التسلّح بجهلي. أعترف بجهلي.

أنا أحاول أن أقاومه، لكن عدوّي الوقت يُفشل أشكال مقاومتي كلّّها. وربما وضعتُ في حقيبتي الماضي كلّه، فأنا لا أعرف أن أتحرّك خفيفة. يجب أن أحمل معي تاريخي كلّّه وتاريخ بلدي وعائلتي وقصص الكذابين بينهم وقصص الأغبياء والآخرين الذين يدّعون الذكاء.

سُعدت باتصال صديقتي الأميركية الجديدة. تأخّر الوقت. تأخّرت أنا. ما زال صمت الليل رائعاً. لا أحلم. كل شيء حقيقي الآن. كل ما قلته للأميركية، كلّ ما قالته لي، حياتانا وصورتي في المرآة. تذكرت أنني شعرت بالهلع في الصباح حين لم أجد نفسي في المرآة. كنت أنظر إلى زجاج مبنى ضخم من نافذة السيارة، ولا أعلم لمَ توقّعت أن أرى صورتي في الزجاج ولم أرَها. إنه الشعور الأفظع. شعور مخيف ألا تعثر على صورتك في مرآتها. الليل يركض.

غداً يوم آخر. أضع لنفسي مواعيد وحدوداً ونهايات: نهاية اليوم ونهاية الأسبوع ونهاية السنة ونهاية حياتي. لو أستطيع أن ألتقط حياتي قبل أن تلتقطني نهاية النهايات.

أعرف أنني لن أنتصر في معركتي مع الوقت. لكنني تعبت من الاستسلام لانزلاق وقت هو ملكي. لكنني أمنحه بإرادتي لأشخاص آخرين باسم الطموح وباسم الإستهلاك أيضاً. هذا الوقت هو عمري، حياتي الوحيدة.

تكفي أغنية أو نسمة هواء لأعود إلى لحظة واحدة أحببتُها. أشتاق إلى اللحظة أكثر من شوقي إلى أبطالها. وخلال مشاهد تتكرّر في أيامي، أحدّق إلى هؤلاء الذين حين يتكلّمون أشعر بأنهم لا يتنفسون. أحسدهم على طاقتهم وعلى قوة الوهم الذي يوقد حماستهم وعلى جهلهم بأن الوقت أصبح عدواً. أودّع وحدتي الليلية. ساعات نومي لي. وإن كان جسمي يتحكّم بها، إلا أنني إذا سُئلت عن الوقت الذي أملكه، أجبتُ: ساعات نومي فقط.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077