تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

لا بأس

لا بأس، سأستمع إلى موسيقاه رغم صدمتي الكبرى به. ولمَ يهتمّ الموسيقي الموهوب بصورته على التلفزيون؟ الصورة هذه خرّبت أشياء كثيرة. لا بأس، لن أتوقف عن الاستماع إلى موسيقاه، خصوصاً حين أهرب من الكلام صباح يوم يشبه كل الأيام. الجلوس على الشرفة أمر جديد بالنسبة إليّ. حوّلت شرفتي غرفة مكتب وحاولت أن أجعلها نسخة من مقهاي المفضل. أظنني نجحت في ذلك.

متى نشرتْ جارتي «غسيلها»؟ وكيف لا تقع من الشرفة وهي تلمّ الثياب النظيفة؟ جارتي هذه لم أرها بعد لكنني، من دون أن أفكر في الأمر، قررتُ أن امرأة نشرت «الغسيل». ربما نشر جاري «الغسيل» واختبأ سريعاً منا. ولمَ يخجل الرجال من نشر «الغسيل»؟

جاري وجارتي يسكنان بناية غير معترف بها. هي بناية غريبة في شارع هادئ وأنيق. يقال إن مَن بناها استغلّ غياب القوانين والمحاسبة أيام الحرب. لكن ما ذنب سكانها الذين سيضطرون لمغادرتها بعد أن تُدفع لهم تعويضات طبعاً؟ «لا بأس عليهم،» سيجدون بيوتاً في ضواحي بيروت أو أبعد. ما زالت المحاسبة غائبة والقوانين تزيّن هيكل الدولة. لا بأس علينا. من على الشرفة أراقب حالة الطريق التي تؤدي إلى شارع الحمرا الرئيسي. يُتعب جنون السيارات مَن يحاول أن يحتمي بالقانون. وهذا غبيّ حسب أعراف المجتمع. لا بأس. إحزروا عن أي بلد نتحدّث؟ إحزروا في شوارع أية مدينة القيادة مغامرة خطرة؟ لا بأس. اصمتوا. ما يهمّنا هو ازدهار موسم الصيف.

لا أحب الصيف. شمسه مزعجة وفوضاه عارية. لا تخفيها رومنسية المطر ولا أناقة الشتاء.

فلننزل إلى الشارع. أفكر. لا تعرفين من أنتِ؟ لا بأس عليك. يمكن أن يحلّ التأمل محلّ الكلام. تأمّل ماذا؟ لا بأس. أي شيء. لم تعرفي أن الكلام مريح إلى هذا الحد وأن الصمت يغيّر إيقاع دقات قلبك. تحبين هذا الشارع لأنه يشبه قرية. هذا ما بقي من جمال بيروت. الحلاق يسلّم على صاحب المصبغة وتاجر الأثاث يخاصم صاحب المكتبة. لكننا لن نستطيع إنقاذ البناية القديمة آخر الشارع. لا بأس. يجب أن نقبل بأن المشاهد تتغيّر وبأن القبح ينتصر في النهاية لأن القبح ينفخ جيوب المقاولين. لا بأس. الأصوات أيضاً تتغيّر، أصوات الهدم والبناء ترافقنا كل لحظة. لذا يجب أن أقبل برغبة الموسيقار العظيم في الظهور على التلفزيون وسرد حكايته للمرة الخامسة والسبعين ربما. تبقى موسيقاه أجمل من موسيقى الفوضى في بلد يُهدم فيه التخطيط والجمال والبيئة وأعصابنا ليبني البعض ثرواته. لا بأس.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077