امرأة تواجه السجن 150 سنة!
لا صوت في قرية دملو بمحافظة القليوبية المصرية يعلو فوق صوت «رئيسة»، أشهر تاجرة مخدرات، والتي أصبحت القرية بسببها معقلاً لتجارة المخدرات على أنواعها، حتى أنها أعادت سيناريو منطقة الباطنية التي اشتهرت بتلك التجارة وقدّمت عنها الفنانة نادية الجندي فيلماً باسمها.
ورغم القبض على «رئيسة» ووجودها وراء أسوار السجن، فهي لا تزال العقل المدبر لأسرتها، وتسعى أجهزة الأمن إلى أن تنهي إمبراطوريتها التي لا تزال تعمل بأوامرها، وهي خلف الأسوار التي لن تخرج منها لأنها تواجه سنوات حبس تصل إلى 150 سنة!
لا أحد يقف أمامها، الجميع يخافون منها ويخشون بطشها، لا لشيء سوى أنها امرأة من نوع آخر، لا تعرف معنى للعواطف... لغة واحدة تعرفها وهي السطوة والسيطرة. عاشت «رئيسة» حياة مختلفة عن قريناتها، كلمتها مسموعة، وغضبها قد يعني الموت لمن يغضبها! ومثلما كانت بداية صعود عائلة «رئيسة» كانت نهايتها.
البداية
عاشت «رئيسة» في شبابها في قرية دملو، واشتهرت بأنها صاحبة السهرات الحمراء. وسرعان ما انتشرت القصص عن تلك الفتاة التي ما لبثت أن غرقت في تجارة المخدرات. وقد تعلّمت على أيادي التجار المحترفين الكثير، وذاع صيتها مع الوقت وأصبح الجميع يعرفون تلك السيدة الملقّبة بـ «أم حسن»، والتي صارت أشهر بائعة مخدرات في رحلة امتدّت أكثر من عشرين سنة حوّلت خلالها قريتها إلى معقل لتجارة المخدرات، واكتسبت معها تلك القرية سمعة سيئة. وكانت «رئيسة» تستمد قوتها وسطوتها من تجّار أكبر منها، تعرفهم جيداً وتتعامل معهم.
بدأت تاجرة المخدرات الشهيرة مشوارها في طريق تجارة المخدرات كبائعة صغيرة، كانت توزّع مخدّر البانجو والحشيش على زبائنها في قريتها. ومع مرور الوقت ذاع صيت «رئيسة»، وصارت وجهاً مألوفاً لرجال الشرطة، هي السيّدة الوحيدة التي تمارس الاتجار بالمخدرات في قريتها، مما جعلها تملك الكثير من النفوذ والقوة. هكذا كانت خطواتها في عالم تجارة المخدرات، وهو عالم لا يعرف الرحمة أو العواطف، هذا هو الدرس الأول الذي تعلّمته تلك التاجرة التي كانت تدرك جيداً أنها قد لا تخرج من السجن إذا تم القبض عليها، ولهذا كانت شديدة الحرص، لا تثق بالغرباء.
غير أن رجال المباحث كانوا يضعونها دائماً نصب أعينهم، وقبضوا عليها مرة أولى بتهمة الاتجار. وأمضت السيدة في السجن بضع سنوات، وخلال تلك الفترة كانت تدير مملكتها بإصدار تعليماتها لأقاربها أثناء زياراتهم لها في السجن. وعندما خرجت قررت توسيع نشاطها، واستطاعت أن تنشئ إمبراطورية خاصة بها لتجارة المخدرات في المنطقة التي تسكنها، معتمدة في شكل أساسي على أقاربها.
كانت «رئيسة» بمثابة أم لأفراد أسرتها جميعاً، علماً أنها حرمت نعمة الإنجاب، فقد تزوجت مرتين، وانفصلت بسبب تلك الظروف التي تعيشها ولم تنجب، واعتبرت أولاد أشقائها عائلتها.
عائلة خطيرة جداً
مع مرور السنوات وبعدما كبرت في السن، فكرت «رئيسة» في سبل توسيع دائرة نشاطها بعيداً عن أعين رجال الشرطة. ولكونها العقل المفكر والمدبر لترويج المخدرات في قريتها والقرى المجاورة، تركت عملية البيع لشقيقتها فردوس، الأخت الصغرى التي تصغرها بسنتين. وهي ربة منزل ويعمل معها زوجها وأولادها الذين يشاركونها عملها في التجارة. وتحوّلت القرية التي تقودها «رئيسة» إلى صورة مصغّرة عن الباطنية.
سيناريو يتكرر للتجار الذين يبيعون المخدرات دون خوف من أحد في الشارع، وهو ما جسّدته تلك التاجرة الكبيرة، لتفرض سطوتها وسيطرتها على منزل العائلة الذي يقطن معها فيه أشقاؤها وأزواجهم وأولادهم... الكل يعمل معها، هي تخطّط والآخرون ينفّذون تعليماتها، وقد توصلت تحرّيات المباحث إلى أن العقل المدبّر وراء كل تلك التجارة هي «رئيسة» أم حسن، لذلك صدر قرار باعتقالها مرتين وسبق اتهامها في 12 قضية اتجار بالمخدرات، وخرجت من السجن لتصبح أكثر قوة من ذي قبل، وصدرت ضدها أحكام بالسجن وصلت إلى 150 سنة، وهي أطول مدة أحكام صدرت ضد امرأة.
وبعد الثورة المصرية ازداد نشاطها، واتخذت من المنطقة التي تسكنها والقريبة من نهر النيل مكاناً جيداً لترويج المخدرات لزبائنها، وكانت تعتمد في ذلك على خوف الآخرين من بطشها، فهي تعلم أنها مرصودة من أعين رجال الشرطة.
خطّة المداهمة
المعلومات كانت تصل إلى رجال المباحث عن نشاط «رئيسة»، لكن في وقت مداهمة القوات للمكان الذي تتحصّن فيه للقبض عليها لا يجدونها. وتوصّلت تحريات المباحث إلى أن «رئيسة» لها مخبأ آخر تفرّ إليه حال معرفتها بنزول قوة للقبض عليها، بعد أن زاد نشاطها وأيقنت أنها مرصودة ومطلوب القبض عليها. ويروي أحد رجال المباحث أنه لدى نزوله للقبض عليها ومعه قوة مرافقة فوجئ بها وبشقيقاتها وأولادهن يضربون أنفسهم ويقطعون ملابسهم، ويدعون أن الشرطة تعتدي عليهم لإبعاد شبهة الاتجار بالمخدرات عنهم، وهو ما يحدث في كل مرة. وتمكنت مباحث القليوبية، بعد العديد من البلاغات التي تلقّاها المقدّم حازم سعد رئيس مباحث مركز بنها، من القبض على فردوس شقيقة «رئيسة»، وهي ربة منزل، وسبق اتهامها في ثلاث قضايا، ونجلها رامي الذي يعمل سائقاً وسبق اتهامه في قضيتين، وأيضاً ابن شقيقها هاني الذي سبق اتهامه في سبع قضايا. وأخيراً سقطت «رئيسة» في قبضة الشرطة بعد خطط مُحكمة ومحاصرة للوكر الذي تتحصّن فيه تاجرة المخدرات التي قاومت بشراسة قبل سقوطها. واكتشف الضباط في وكرها مخبأً للأسلحة. وقد أحيلت «رئيسة» على النيابة لتنتهي أسطورة تاجرة الموت.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024