تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

محاولات

افترقا. لم أصدّق. قالت: إنها المرارة الأولى التي يصعب محوها، ومع ذلك أحاول.

قلتُ: آمني بالنسيان.

أحاول أن أنسى أنهما افترقا. أحاول ألّا أخطط للحظات الآتية. أحاول أن أؤجل  قراءة الظلم في صحف الصباح. وأحاول ألّا أختار الطريق الطويلة من بيتي إلى مركز عملي كي لا أضايق المسؤول السياسي العظيم في مروره من البيت إلى الفندق. والسياسي هذا يضايقني من دون أن يبالي، وأنا يتعبني «الاستغباء» اليومي. أحاول ألا أحسّ بأي شيء حين أُمنع من المشي في الشارع لأن مسؤولين، زملاء المسؤول العظيم، وهم بالمناسبة أعداؤه أيضاً، قرروا الاجتماع في آخر الشارع. أحاول أن أتجاهل هذا الشعور القاتل بالمرارة.

افترقا. وكانت قصتهما أجمل القصص. فكيف أؤمن بقصتي؟ يقول لي: فلنحاول أن نلهو بالسهرات واللقاءات الاجتماعية والصداقات السطحية. فأحاول أن أقول له: هذه كلّّها لا تكافح مراراتي.

افترقا. الحزن في صوتها جديد. الخوف في صوتي جديد. «لماذا؟» سألتها. «لا أعرف. تغيّرنا، وقلّ كلامنا. حاولت أن أهضم تغيّراتي وتغيّراته، ولم أعرف. وهو لم يساعدني.» في الخارج، هناك، بعيداً، هموم مسلّية، هموم كروية ومنافسات ومحاولات من نوع آخر. وفي الشوارع عندنا محاولات للادعاء بأننا لسنا خارج هذا الخارج، نحن نحب أعلام الدول وألوانها ونعرف أن نشتريها ونعلّقها على «درابزين» الشرفات وأعمدة الكهرباء. نعرف أيضاً أن نحدث أصواتاً مخيفة تذكّرنا بحروبنا القبيحة لنحتفل بفوز بلد لا يعرف لاعبو فريقه أننا موجودون. فنحن نحاول أن نلعب ألعابنا الخاصة خارج ملاعب العالم والتاريخ والحاضر والمستقبل.

افترق بطلا أجمل قصة حب في بيروت. وأنا أقوّي إيماني بالنسيان. «إنسي أخبار العالم العربي. إنسي الذلّ.» يقول لي صديق. اخترت علاج الموسيقى، لكن الموسيقى نفسها يمكن أن تكون مدّعية. اخترت موسيقاي وهربتُ إلى الجهل. تعلّمت أن المصيبة تتقلّص وأن الصدمة نفسها لا تدافع عن نفسها. هل أثور على الصدمة أيضاً؟ ثورتي دوماً خفية، ثورة تأكلني من الداخل وتبقى الابتسامة على وجهي. أتألّم لأنني أتفرّج على المتألمين. في زجاج الآنية الفارغة عيني تراقب عيني. كلّ ما هو فارغ يمتلئ بسخطي الذي أُجبرت منذ الطفولة على ترويضه.

افترقا. استوعبت الخبر. وحاولت أن أتابع إحدى مباريات المونديال. كل هذه القلوب تخفق لكرة تتدحرج بين أقدام دول وعصبيات وتواريخ. ما سرّ هذه الكرة؟ أحاول أن أفهمه وأن أحتفل بها لأنها لوّنت الصحف بأخبار من نوع آخر. 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077