تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

مدينة (س) الفاضلة

تبحث صديقتي (س) عن فضائح الآخرين بالكثير من الذمة والضمير. وتتبع عورات الناس من حولها وهي تعتقد أن كل خطيئة تصم الـ(آخر) هي في الواقع قيمة جديدة تضاف إلى ميزان عفتها الشخصية. وفي كل موقف يبدو (مريباً) بعض الشيء - بمعاييرها الخاصة طبعا -  تُسبغ عليه من فورها شكل الـ(خطيئة) وتصدر حكمها غير القابل للمراجعة بالخلود في نار الـ(تجنب) والازدراء.

وفي عُرف (س) الخاص كل امرأة مدانة مالم تُثبت لنا عفتها في كل خطوة من خطوات حياتها الواعدة بالعار و(الشنار). ابتداء من اختياراتها على مستوى الملبس إلى طريقتها الواثقة بتمثيل ذاتها، وانتهاء بمدى الاستماتة في الدفاع عن الشكل المستكين والخاضع الذي على كل (ناقصة عقل ودين) اعتناقه لتستحق شكل الـ(صلاح) الوحيد الذي تعترف به.

وعندما اشرح لـ(س) أن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته، لا تلقي إلي بالاً لانشغالها بتعقب رسالة مريبة تلقتها فلانة من الصديقات، أو بالوصول إلى تبرير مناسب يشرح سبب تواجد علانة في مكان (ما) في وقت (ما) لا يبدو أن (س) تستسيغه! 

الغريب أن الشفافية المطلقة التي تطالبنا بها (س) لنتمكن من اجتياز اختبارات الفضيلة التي تقيمها لنا دوريا فتقصي من تقصي وتقرب من تقرب، يقابلها تكتم شديد في كل ما يتعلق بتفاصيل حياتها العادية، وأي سؤال بريء نسأله من قبيل العادة كـ:

«كيف كان اختبارك اليوم؟»

«بشّري كيف صحة الوالدة الحين؟»

يشكل انتهاكا صريحا لخصوصيتها، وشكلا صادما من أشكال التطفل غير المقبول على مستوى التهذيب، فاتحا على السائلة البريئة بابا من الريبة اللا منتهية والمصحوبة عادة  بالطرد الفوري من جنة (س).

مالا تنتبه له (س) في خضم انشغالها مشكورة بواجبات تقويم الآخرين وفرض الشكل الوحيد للفضيلة المعترف به، هو الواجب الحقيقي الذي ستسأل عنه فعلا  واعني به تقويم (ذاتها).

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077