قـهْـر
لما قررت أن تتوقف عن تسليمه راتبها توقف من فوره عن توصيلها إلى العمل. ولم يقبل مكتب الاستقدام طلب استقدام (سواق) الذي تقدمت به لأن نظام الكفالة يقتضي أن تحوي أوراقها الثبوتية كلمة (ذكر). والذكران الوحيدان المحسوبان عليها كشقيقين لا يرغبان بالـ(تمشكل) مع زوجها الـ(اقشر). وبعد تجربتين مرعبتين مع سواقي ليموزين، وتجربة إهدار كرامة استعانت فيها بسواق الجيران، قدمت من فورها إجازة وقررت أن تعامله بالمثل. وقفت أمامه بحزم وأخبرته أن عليه هو أيضاً من اليوم الاعتناء بنفسه. إنصرف بهدوء إلى الهاتف، طلب غداءه من المطعم وأخذ ملابسه للمغسلة وتزوج مسياراً من امرأتين.
يستيقظ قبل الثالثة عصرا بقليل (عاطل عن العمل). يشرب القهوة مع والديه الممتنين لمجرد وجوده (ولد على خمس بنات). يمزح مع والدته قليلا فتدس في جيبه (المقسوم) اليومي، إذ قد يرغب في دعوة أصدقائه لأحد المطاعم الغالية أو شراء قطعة إكسسوار لسيارته الجديدة التي تدفع شقيقاته أقساطها، إلى جانب رواتب الخادمة والسواق وتجديدات المنزل وسفريات الصيف. يستحم، يُعدل (شماغه) ويرش عطرا غاليا أهدته اياه إحدى (صديقاته) العديدات، ثم يخرج من المنزل حتى يحين موعد القهوة من اليوم الثاني، ومن خلفه يتردد صوت والدته الحنون في مجلس الحريم وهي تلعن (خلفة البنات)!
مطلوب منها لتُحقّق شرط الـ(برّ) اللازم لدخول الجنة أن ترفض أستاذ الجامعة المشهود له بالاستقامة و المنْحدر من عائلة معروفة بالعلم والوجاهة، والذي قبل أن يملك البيت والسيارة والمركز الاجتماعي يملك (قلبها) و(رضاها)، وأن ترضخ - لأسباب (إقليمية) بحته - لوصلة الـ(تنكيل) اليومية التي تمارس عليها للقبول بالمُراسل شبه الأمي الذي تسمع باسمه للمرة الأولى من خطّابة مجهولة تخابر والدتها مرة كل شهر، في حماسة (مهنية) منقطعة النظير!
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024