تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

سيرة

بعدما فتحت عينيْها، حاولت أن تتذكّر قرار الليلة الماضية. مدّت يدها إلى دفتر صغير ينام إلى جانبها، وإلى قلم صغير ينام فوق الدفتر.  لم تستطع أن تكتب كلمة واحدة. في العادة تستطيع أن تقوم بأمور كثيرة في الوقت نفسه. لكنها هذا الصباح تريد أن تؤجل التفكير في الغد. تريد ألا تفكر. يغيظها هذا الرضا المفاجئ عن الذات، وهو رضا عن خمولها الصباحي. ويكاد أن يقتلها هذ الشعور باللامبالاة تجاه مرور الوقت. لم تلق نظرة إلى ساعة هاتفها الصغير بعد.

لم تعتد ألا تصارع قلقاً رائعاً يجعل لحياتها معنىً. تسأل نفسها: كيف يمكن أن تمضي حياةٌ من دون قلق؟ تبحث عن حزن تربّى معها. وتتذكّر لحظات خاصة جداً من البؤس الخالص. لكنها لا تبكي. لا تستطيع أن تحسّ بأي شيء. من أين أتى إلى نفسها كل هذا الهدوء؟

لم تنهض سريعاً من سريرها، لم ترفس تعب النوم. فهي، في العادة، تتعب خلال النوم. النوم يتعبها. وهي تنام فقط لأنها اعتادت النوم ليلاً، وتعتبر ساعات النوم وقتاً ضائعاً. لكن التعب من النوم لم يقدّم لها أي شيء. نشاطها وحماستها للحياة أضاعا تركيزها على أهداف الماضي، وربما أضاعا تركيزها على الماضي كلّه. ستوقف دورانها حول نفسها.

ما زالت في السرير حيث تبحث عن نفسها ولا تجدها. لم تبحث عن الجريدة خلف باب الشقة. لم تحسّ بشوق إلى موسيقى الصباح، وإلى سباق الدقائق المجنونة التي تفصلها عن بداية نهارها في مركز عملها.  اليوم لن تذهب إلى العمل، ولن تتصل للاعتذار. لن تكذب على رئيس الدائرة، ولن تقول له الحقيقة. ولن تفكر في العواقب ولن تخاف، ولن تفكر في احتمال أن تخاف. تحاول أن تتذكر ما قررته ليلاً قبل نومها. قررت أن تكتب سيرتها. وفكرتْ: ما الذي يدفع كاتب السيرة إلى أن يكتب سيرته؟ الاقتراب من الموت إجابة محتملة. لكن، ألا يستطيع أن يكتب سيرته شخصٌ لم يعانق الموت؟ ألا يستطيع أن يكتب سيرته شخص عادي يعيش حياة عادية أو امرأة لم يطبع حياتها أي إنجاز يذكر؟

ازداد الاهتمام بالسيرة في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، هي تدرك ذلك، وقد قررت، لأنها لم تحقّق بعد أياً من الخطط التي وضعتها قبل دخول الجامعة، لأنها اقتربت من الأربعين ووجدت نفسها في مكان بعيد عن مكان رسمته لنفسها، لأنها أصبحت إنساناً آخر، امرأة تكرهها، قررت أن تكتب سيرتها. ثم احتارت: أتكتب سيرة الفتاة التي كانتها، والمرأة التي لم تصبحها، أم تكتب سيرة امرأة لا تعرفها، تعيش في جسمها وتحيا حياتها، لكن الوقت لم يسمح لها بأن تتوقف لتشتمها قبل أن تسألها: مَن أنت وما الذي تفعلينه بي؟

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077