تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

كابوس يومي

تنتهي كل قصصها على رنين المنبه في تمام السادسة صباحا. تُخرسه في حركة مفاجئة قبل أن تغرق سريعا في «الصحو». وشيئا فشيئا تستسلم إلى واقع «السبات»الحقيقي في حلم واحد لا يتغير، ترى فيه نفسها كما يرى النائم أمام مرآة الحمام تغسل أسنانها، تُسرّح شعرها، وترتدي زيا مُعلقا على المشجب توقفت منذ زمن بعيد عن اختياره بعناية.

ستعرضُ عبر نافذة السيارة خلف مقعد السائق الأمامي فيلما واحدا لا يبدو انه يتخطى مشهد البداية. تترجل عابرة بوابة السأم مارّة  بذات الوجوه المنهكة والبخيلة حتى بشبح ابتسامة.  تمنحها تعبير الملل لا شيء فيها يتغير إلا المزيد من التجعيدات الصغيرة تحت العينين أو على الرقبة.

تدخل غرفة تكتظ  بمجموعة الأنفس والمكاتب المتراصة حد الاختناق، تنضح استسلاما يشبه الرضا ولا يحمل شيئا من قيمته في سوق «العيش».

- كيف حالك؟

وتوشك أن تخبرهم عن أزمتها المالية،عن صحة والدها المتردية، وعن قلبها المفطور منذ سنتين بدون أن يتعافى، لولا انصراف السائلات عنها إلى طبق من الفول أو فنجان من الشكوى.

 تتجه إلى الطاولة المحشورة بين مكتبين. تجلس خلفها بصعوبة بعد أن تعلق عباءتها وسؤالها اليومي:

«متى أصحو؟»

ترى نفسها في خضم السأم تمد يدها إلى جهاز الكمبيوتر القديم والمشترك فتصلها تهويمات شامته من المتحلقات حول «دلة» القهوة التي لا تفرغ أبدا:

«مافيه انترنت.. الشبكة عطلانة  كالعادة»

ثم يبدأن ثانية في غزل الكلمات المحبطة عن القحط العاطفي والواجبات المملة، والأبناء المدللين، وأبطال المسلسلات التركية السعيدين كما يبدو. مطعمين جلستهم بوجبة دموية فاخرة ينهشون فيها لحم الزميلة التي خرجت للتو قبل يحلون بطبق «الـتشيز كيك» الذي أعدته لهم.

تصلها تهويمات لجرس ما يدق في خلفية واقعها فتتساءل إن كان جرس المنبه ينهي كابوسها اليومي.

«هاقد بدأت الحصة الأولى» 

تتوالى الأجراس الواحد تلو الآخر لا شيء منها يحمل الخلاص الذي تنتظره. ومع الجرس الأخير  تحمل عباءتها وحقيبتها وتعود في رحلة الرواح ذاتها إلى الفيلم ذاته، والمنزل ذاته، والسرير ذاته، والوحدة التي لا تنتهي.

تضع رأسها على الوسادة تماما من حيث رفعته في بداية يومها وتغمض عينيها، وتصحو!

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077