تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

روتين مكسور أو بيوت الكلمات

بدأ السباق اليومي. هو سباقي مع الوقت، وهو في الوقت نفسه سباق بين أدواري المختلفة. ألهث قبل أن يبدأ. هل يحقّ لي أن أعترض؟ اخترت حياتي هذه وأدمنت اللهاث أيضاً.

أعد نفسي كل يوم صباحاً بأن أدخل المقهى قبل أن أدخل المكتب. يواجه باب المقهى الزجاجي باب المبنى حيث أمضي حياتي. وفي المقهى لا يبدأ الصباح من دون صوت فيروز. لا يبدأ الصباح من دون فيروز في أي مقهى في لبنان حتى لو كان أميركياً. اليوم دخلت المقهى قبل أن أدخل الحصن. أخيراً كسرت الروتين. لا أتذكر من يومي إلا وجودي في المكتب. يمرّ الوقت سريعاً بعد ذهابي إلى البيت، فأنسى بيتي وأنسى ولديّ أحياناً. ما أذكره من نهاري هو الخشب، اللون البني المحيط بي في غرفة المكتب وفي الطبقة كلّها، والأرض المكسوة بمعطف بني فاتح. يصفرّ المعطف فيسارع المعنيون باصفراره إلى محو الزمن عنه.

كسرت الروتين الأسبوع الماضي، فهربت من برنامج حياتي اليومي إلى حيث تسنّى لي أن أتعرّف إلى عقول مبدعة. تعرّفت أيضاً إلى رؤوس تحمل هذه العقول، فلم أكتفِ هذه المرة بلقاء الكلمات وبيوتها. تعرّفت إلى أصحاب القصص أنفسهم، إلى ملّاك القصائد، إلى أرواح سلِسة طافت خلال أربعة أيام في شوارع مدينتي. «بيروت 39» حدث هدف إلى الجمع بين 39 كاتبة وكاتباً وشاعرة وشاعراً تحت سن ال39. قدّم «المهرجان» 50 نشاطاً ثقافياً هي حوارات أبطالها الكتّاب المختارون (أو الفائزون). توزعت هذه الحوارات على أماكن بيروتية مختلفة، وحملت عناوين مثل «الأدب العربي الحديث، الأدب اللبناني الجديد، تحديات المرأة الكاتبة، لماذا نكتب؟ الأدباء الذين شكلونا... وغيرها». هي عناوين واسعة تحتمل نقاشات أوسع، لكنها عرّفتنا إلى الأدباء الشباب الذين لم يقدّموا أجوبة مألوفة مقاطعين كليشيهات تحوّل بعضها إلى أنظمة مسيطرة. إستطاع الأدباء الشباب أن يجعلوا الكلام تحت العناوين العريضة المطروحة محدداً مكثف المعنى، ذكياً طريفاً أحياناً. وفي هذه الندوات أو «الأحاديث» افتقدنا الجمهور الذي لام بعضه التعاطي الإعلامي مع الحدث، فقالوا إنهم عرفوا به في شكل عام ولم يحصلوا بسهولة على برنامج اللقاءات. سعدنا بتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، وتجاهلنا الأسئلة الكثيرة النابتة من ملاحظاتنا، منها: لماذا غاب مَن غاب ولماذا حضر مَن حضر؟ تكفي لقاءاتنا بالطلاب، تكفي اللقاءات التي جمعت بيننا. اتقفنا على أن أهم ما حدث هو اجتماعنا ثم انطلاق التواصل بيننا. الأنظمة المتجمدة في العالم العربي التي تنتج مجتمعات «منملة» يمكن أن تنتج أفكاراً متحرّكة ومتحرّرة وإن كانت مختبئة بين أوراق كتاب تعرّف إليه قراء محددون. 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077