تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

ليل مفقود

«هل تكفي الكتابة لاستعادة الماضي؟ ليست الصورُ كافية. صمتُ الصور يُضعف تأثيرها في الزمن. السينما جواب مقنع عن السؤال، فهي تجمع الصورة بالكتابة بشخصيات حقيقية من لحم ودم. لكنها تقدم الوهم أيضاً وتغيّر الرواية. يمكن أن يقال هنا إن الماضي وهم مستمرّ. لا، الماضي حقيقي والحاضر هو الوهم قبل أن يصبح ماضياً».
توقفتُ عن الكلام. توقف زوجي عن الكتابة، وقال لي:
- تعبتُ. هل يمكن أن تكملي القصة؟
- لكنك لم تبدأ القصة بعد.
سيرحلان معاً. سيشتري لها بيتاً وستختار في البيت غرفة واحدة. تحب أن تلازم سريرها، أن تقرأ وهي ممدّدة في سريرها، وأن تجلس على السرير لتتفرّج على التلفزيون بانتظار عودته. وهو لا يعود إليها كلّ يوم. لكنها تنتظره كل يوم، وتخاف من العالم إذا كان بعيداً عنها. وإذا تأخرت عودته إليها رسمت مربعات ونوافذ بينها، رسمت سجناً كالذي اختارت أن تهرب إليه من زواجها الأول وأهلها واسمها بعدما اختار لها هو اسماً جديداً. في الليل تمسك قلبها، تحرسه بأصابع يديها، تشدّ على عظام صدرها خوفاً من هروبه. تحبّ وحدتها وتحبّه. تضيع بينه وبين قلبها. يركض فيركض قلبها، وإذا اختفى هو اختفى إحساسها بقلبها. 
- توقفي، قال لي زوجي. لا أريدها ضعيفة.
- ليست ضعيفة لكنها الآن لا تعرف ما تريده. لكن، لمَ تريدني أنا ضعيفة وتبحث عن خلاص بطلتك؟
لم يجب عن سؤالي. وضع نظاراته على الطاولة. وهو حين يتخلّى عن نظاراته يتوقف عن الكلام وعن الكتابة طبعاً.
يحاول زوجي أن ينام. تحيط به أوراق وأقلام رصاص. منذ عشرة أشهر يحاول أن يكتب قصة. كيف جفّت مخيّلة الكاتب العظيم؟
زوجي كاتب، وأنا تحوّلت إلى إحدى بطلاته. لكنني لم أتركه بعد. بطلته الجديدة نانسي تزوجت مرتين. نعرف زوجها الثاني الذي ولد اليوم . أقصد أنني رأيته في السهرة البارحة. وبعد السهرة لم ينم زوجي الكاتب. يقول إنه أنهى فصلاً جديداً من فصول روايته الجديدة. لا بد أنه كتب عن المذيعة السابقة وزوجها الذي حوّلها إلى  كيان سابق. أفرغتْ نفسَها من نفسها وصمتتْ. ولم يتوقف زوجها عن الكلام. وإبتسم لي مرتين.
زوجي الكاتب يقول إنه لا يستطيع الكتابة. يدّعي أنه كان يمتلك الليل إلا أنه فقده. يقول إنني ملهمته وإنه سينهي كتابة روايته إذا رافقته إلى تلك الغرفة في بيت الجبل.
إلى هناك هربنا من غياب أفكاره. تحلّقنا حول طاولة دائرية. نتأمل دائرة معدنية في سماء سوداء ارتفعت فوق رأسينا. الليل دافئ وأغنيات التائهين تتسرّب إلينا. هل أصبحتُ أنا الكاتبة؟
بطلته باعت نفسها للزوج الثاني. وأنا قدمت حياتي لكلماته. وما يخيفني ويمنحني بهجة الإنتصار هو أنني أقلّده. إنتقلت كلماته إليّ، سحبتها منه وأصبحت أنا الكاتبة.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077