فقر
بعيداً عن اعتبارات الخطأ والصواب وجدلية الشهوات والمكاره. وعلى مسافة من الواجب والمفروض والضعف والإرادة. بعيداً (جداً) عن مفردات الوله والغواية والإثم والعفاف، وكل الأشياء التي علينا أن نرفضها بقلوبنا وتنتهكها جوارحنا بشغف أحيانا وأحيانا بخزي، وتلك التي تكلفنا خطوات في طريق الاستغفار أو الإنكار أو حتى العادة.
بعيدا عن وصلات الخطب الرنانة الأخلاقية منها والنفسية، الفرويدية والأفلاطونية، وقريباً جداً من الحقيقة المجردة من نفاق (الصواب).
«أحتاجُه»!
تماما كما أحتاج لمعجون أسنان. هل علي أن أحب معجون الأسنان لأشتريه؟
أحتاجُ صوتَهُ حين يرنُّ في قلبي وهو يقول: «أنت مسؤوليتي».
أحتاجُ رحلاتي المفاجئة إلى محل (ما) يرسلُ إليّ خارطتهُ التفصيلية عبر رسالة نصية في خضم انشغاله اليومي، تقودني في رحلة سحرية إلى مكان مختلف كل مرة، أقول لصاحبهِ:
«فيه أغراض هنا باسمي».
يتفحصني بريبة مانحاً إياي ابتسامة لئيمة قبل أن يمُدَّ لي شيئاً مختلفاً كل مرة،
شيئاً بسيطاً ويومياً، موبايلاً جديداً، عطراً، فستاناً يكرههُ لأنهُ أقصر مما يجب ويشتريه لأنه «يحبني» أكثر مما يجب . تفصيلات متناهية الـ(الرضا) تقول لي:
«أنتِ مهمة عند أحدهم»
وصادف أن يكون (هو ) هذا الـ(أحدهم).
هل أُقيمت لك يوما «ورشة عمل» لإسعادك؟
أنا أيضا لم يقم لي أحد قبله «ورشة عمل» لإسعادي. وعندما أغضب لم يكن يبدو أن الكون يكترث كثيراً!
لا يبكي أحد عندما ألوّح باحتمالات الرحيل. وحينما أغلق هاتفي ليوم أو لعشرة أيام وحدهُ تعتري صوته رنة قلق غاضبة وهو يقول:
«لا عاد تعودينها»!
لا نملك الكثير من الترف لنفكر في لوعات الحب وتفاصيل الغرام المغرقة في الابتذال والسطحية عندما تدهمنا الحاجة كاشفة تصحّرنا العاطفي المزمن . لا شيء مما نسميه منطقاً يمكنه الصمود أمام طوفان العوز بوجدان يتضوّر (حباً)، لا والدته الرافضة بإصرار مجرد التعرف إليّ لاعتبارات (جمالية)، ولا والدي الصامد بـحزم أمام الحاجز القبَلي يرفض مجرد التفكير في إقلاق أبدية أجداده المئة وإسعادي!
وتعتقدين أن حديثاً منمّقاً عن الصح والخطأ تقدمينه على طبق من الذنب سيعطيني كفاف يومي؟! يالك من (قدّيسة)!
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024