تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

خيال

أهديتُ إليها ثلاث عُلَب. هديتي إليها علبةٌ كبيرة في داخلها علبةٌ أصغر منها وداخل العلبة الثانية علبة ثالثة أصغر. وشرحت لها أنني كلّما اقتربتُ منها اكتشفتُ امرأة جديدة داخل امرأة ظننتُني اكتشفتها من قبل داخل امرأة أصبحت جزءاً من خيالي. أُجيد العيش في خيالي. في أميركا تخيّلتُ أن لي بيتاً مثل بيت العائلة الكبير، البيت الذي ولدتُ فيه وكان لي أماً وأباً. يعود إليّ بيتنا في الجنوب في مناماتي. ألوّنه في الأحلام بألوان البساتين المحيطة به، وأبكي قليلاً على عتبته ثم أصحو على وحدتي المكتسبة في غرفة ضيقة. في إحدى الليالي رأيتُ فيه شاعري المفضّل، وكان قد مضى عام كامل على موته. كنت سعيداً جداً في ذلك الحلم، وقد حلمت في يقظتي بأنه يتكرر، لكنني لم أحقّق حلمي هذا بأن أحلم ثانية بالشاعر في بيتي الضائع. استأجرتُ أخيراً شقة في منطقة الصنائع في بيروت، شقة صغيرة أعجبت هدى. إذا كنت سأبقى في لبنان خلال الفترة المقبلة، فالأفضل أن أبقى قريباً من هدى. لم يكن سهلاً إيجاد شقة في بيروت. هدى دبّرت لي الشقة، اتصلت بصديق اتصل بصديق آخر دلّنا عليها ووجدناها مناسبة. وكنت قد قلت لهدى إنني أريد شقة صغيرة، "يعني استديو،" "أريد غرفتين أو ثلاثاً، ولا أريد بيتاً أحس فيه بالاستقرار. لا أريد بيتاً أحبه. ولن أحب أي بيت على كل حال."

"أنت مجنون،" تجيبني هدى. " لم لا تحب أن ترتاح، وإذا كانت قيمة الإيجار مقبولة، إتكل على الله."
أينما حللتُ أحسستُ بأنني غريب. لكنني أحياناً في لحظات من الصفاء الدافئ، لحظات سريعة هي أجزاء من ساعات أمضيها مع هدى، أحسّ بأنني في مكاني الصحيح، وأنني وجدت ماأبحث عنه. أعيش حياتي معها حلقات من مسلسل تلفزيوني مشوّق. أنتظر كل يوم حلقة بعنوان مختلف. اليوم نعيش حلقة "المسدس." سألتني هدى إذا كنت أقتني مسدساً في منزلي في نيويورك، وإذا كنت تمرّنت في بيروت على القتال مع صديقي الميليشاوي في الثمانينات قبل أن أهرب إلى أميركا. "لا أفهم هوسكِ بالسلاح، فيك كل هذه النعومة والوعي و"الإنسانية،" كيف تستطيعين أن تفكري في أداة قتل؟ لا أفهم."
"أتخاف إذا قلت لكَ إنني أحلم بأنني أقتل نجوى. وأحس بأنني أقدر على تنفيذ الحلم أي أنني لا أستبعد الفكرة نهائياً ولا يستبعدها إحساسي تجاه نجوى، هل تفهمني؟"

كنا نشتري أداوت لمطبخ شقتي الجديدة، 6 صحون و6 أكواب وملاعق صغيرة للشاي وإبريقاً للشاي أيضاً وآخر للقهوة. "ذكّريني ألا نشتري سكيناً،" قلتُ.
"لا تمزح، الموضوع جدي. يجب أن أعالج رغبتي في الانتقام منها، ساعدني."
تورطتُ في حب فتاة مجنونة، لكنها استثنائية. يكفيني في هذا العالم الذي بنَتْه لي وجودُها هي فقط، وهو أمر لا يخيفني. قلت لها: "الأمر في غاية البساطة، تخيّلي أن نجوى غير موجودة. أنا عالجتُ عقدي كلّها بالخيال، في شقتي في نيويورك تخيّلتُ أن لي وطناً قريباً وأن لي بيتاً فيه أهلي. وقبل أن أهرب من وطني تخيّلت أنني غريب كي أتخيّل أنني حرّ. هدى، هل فهمتني؟"

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077