غبيّ
لا تريد أن تسافر! «شي طيّب»
أنا أريد أن أسافر.
أن اُحضّر حقيبةَ سفرٍ صغيرةٍ أصفُّ فيها (جينز) و ٢ (تيشيرت) و(بيجاما) و(مُشغل أغانٍ). ثم أزيحها جانبا واسحب أُخرى أكبر حجماً أُكوّمُ فيها باقي خزانتي. وقبل أن أخرج سأحاول باستماتةٍ أن أحشر صندلاً ذا كعبٍ عالٍ أعرف جيداً أنني لن أنتعله!
أُريد أن أظل مستيقظةً على كُرسي الطائرة الضيق - سياحي الله يديم الرخص - أُحاول أن أتجاهلَ شخيرَ الغريب الجالس على الكرسي المجاور بالنظر إلى نافذة مربعة، صغيرة وكُحليّة إلا من نجمتين. وفي سكينة أتوق إليها بشدة أغرق في بحر من الأفكار وأحلام اليقظة اللذيذة.
أريد أن أنزل في ارض لا تعرفني، وأمرُّ بوجوه لا تعرفني، وأنامُ في سريرٍ لا يعرفني، وعندما تصدمني فاتورة الفندق ابتسم بعذوبة لموظف الاستقبال الوسيم لدرجة مؤلمة وأنا اشتمهُ بالعربي.
أُريد أن اذهب الى شاطئ دافئ وغير مزدحم، ومقهى افتح فيه جريدة الصباح التي لن أقراها لأني لا افهم اللغة المحلية، وأريد رقم هاتفٍ محلي اتصل منه بصديقاتي وأقول لهن:
«ما راح تتخيلون أنا وين..»
أريد أن أتعرف أخيرا على الشوارع التي يسير فيها بشر لا يهمهم كثيرا أن يعرفوا اسم (جدي) الثالث والعشرين بعد المئة، ولا إلى أي قبيلة تنتمي والدتي. أسيرُ بينهم بدون أن أُعَدلَ ثنايا (نفسي) تحسباً لسفورٍ غير مقصود قد أدنس به ظاهر عفّتهم رغم أنّه أطهر من باطنها. أقول بتحدٍ للواقف بجانبي أمام إشارة المشاة:
أنا (...)!
فلا يُحرك ساكنَ اللوم ولا يشرع في حفر مقابر للفضيلة بل سيلتفت اليّ بلا مبالاة ويقول:
«Good for you» ثم يسحب رسن كلبه الأليف ويقطع الطريق متجها الى حيث يُريدُ لا إلى حيث (يُدفع) قسراً كما كان ليحدث في مكانٍ آخر سأبذل جهوداً جبارةً حتى أُسقطهُ من ذاكرتي!
بعد كل هذا يُتاحُ لك أن تُسافر فترفضُ لأنك لا تحتمل الحياة بعيداً عن أمك!
اسمح لي أن أقول لك: غبي!
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024