استشارة نفسية
على الكنبة الجلدية السوداء تجلس بتوتر، تحاول أن تشرح للرجل المستخف بأزماتها المترفة أنها خائفة من الفرح!
تضحك على نفسها بشقاوة مزيفة بينما تقص عليه كيف خبرت القعر أكثر من مرة. كيف أصبحت تعرف كم ستستهلك من الوجع قبل أن ترتطم به. وكيف صادقت كل تلك الوحوش الساكنة ظلامه واحدا واحدا. ولم تعد تحتاج إلى قنديل لتسير بين منعطفاته المظلمة ببراعة المبصرين. بينما الفرح...
تعتدل في جلستها وتقول: «للأرض نهاية ليست للسماء». تشبك أصابعها الدقيقة تحت ذقنها الصغير وترفع إليه عينيها ببراءة (مغوية) يصمد أمامها باحترافية لم تعهدها من قبل فتضيف: «كلما ازددنا ارتفاعا ازددنا هشاشة، هل تفهم ما اعني»؟
يعيد النظر إلى ساعته بينما يهز رأسه بتفهم يبدو لها «غير كافٍ» قبل أن يسرد على مسمعها كل النظريات النفسية الرائعة التي تعلمها خلال رحلته «المهنية» في عالم المعرفة والمحصورة بين دفتي كتاب، تشهد بها تلك الأوراق المؤطرة بعناية والمعلقة فوق رف الدروع التذكارية المزينة باسمه والمصفوفة على يسار الغرفة. يحدثها بنبرة تقطر «لطفاً» تعرف جيدا مقدار المهنية التي تكبدها في سبيل إظهاره ما يخسف بأسهمه فورا في سوق الـ«وِدّ».
وحالما يبدأ بترديد عباراته المملة حول الاستبطان، وحيل التوافق، وهرمية «مازلو» دافعا روحها إلى الـ«تثاؤب»، تزم شفتيها بعذوبة وتهز الأفكار المستوطنة رأسها غير مبالية بغطائها الذي تزحلق إلى الخلف، ناثراً شعرها كشلال. يتوقف فجأة عن الحديث. وبارتباك يخبئ نظراته بين الأوراق المتناثرة أمام مكتبه، باحثاً عن إجابات لم يعد يملكها. يسحب أقلاماً لا تساعده كثيراً، فيعيدها ثانية الى مكانها، ومن دون أن يدرك السبب يبدأ بتعديل «شماغه» أكثر من مرة، يمسح جبينه بيد مرتعشة، يتحرك كثيراً، كثيراً، كثيراً، أكثر مما يجب. ثم يسكن!
وبهدوء يسحب نفساً عميقاً ثم بترقب، يرفع رأسه إليها، تلك الـ«حالة» التي تخاف من الفرح، فيفاجأ بأنها تبتسم!
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024