تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الكتاب الضائع

منذ نحو عام أعطتني صديقتي الممثلة كتاباً. وصديقتي الممثلة مشغولة دوماً بأسفارها وبالبحث عن رائحة مشروع فيلم وعن مكانها في سيناريو أُطلق بفعل معجزة أوروبية من سجون الأدراج الخشبية. طلبتْ مني صديقتي أن أهتمّ بكتابها. وهي كانت تعرف أنني أحترم الكتب وأدلّلها، لكنها أصرّت على تذكيري بأهمية المحافظة على هذا الكتاب بالذات وأهمية حمايته من عوامل الطبيعة وتأثير الأيام في صحته ومظهره من الخارج والداخل. وشدّدتْ على أهمية مسح الغبار عن غلافه وأوراقه والاهتمام بألوانه وحروفه. قالت إنه «كتاب حياتها»، وأنا «سمعت الكلام». وكي أقدّم للكتاب العجيب ما يستحقّه من دلال، اشتريت له حقيبة صغيرة سوداء من قماش أردتُها بيتاً له.

وضعتُه فيها ووضعت الحقيبة في سيارتي وانطلقتُ إلى محطات يوم حافل بالمواعيد واللقاءات. وفي آخر النهار، وحينما أردت حمل الكتاب وحقيبته معي إلى البيت، لم أجدهما. طار عقلي. تركتهما في السيارة، فأين اختفيا؟ ومَن يسرق كتاباً في حقيبة من قماش؟

لم أكن قد قرأت الكتاب بعد. ازداد اهتمامي به حتى أصبح خوفاً منه. بمَ يبوح هذا الكتاب الذي يريده الجميع، وأوكلت عليّ صاحبته الاهتمامَ به خلال سفرها كأنه كائن حي؟ ثم فكرتُ في أن الموضوع كلّه، موضوع ظهور الكتاب في حياتي واختفائه مزحة جعلتْها صديقتي الممثلة تسليتَها. واجهتُها، وكشفتُ لها أن الكتاب اختفى. أنّبتني كأنني طفلة صغيرة، واتهمتني من بروكسيل التي سافرت إليها، بأنني أضعتُ كتاب حياتها من قبل أن أقرأه، وكانت قد طلبت مني ألا أقرأه قبل أن تأذن لي بذلك.

أغضبني كلامها وقررت بيني وبين نفسي أن أتجاهله وأن أعيد دراسة ظروف هذه الصداقة التي اعتبرتها غريبة وغامضة و«لا تناسبني».
- «أوكي، أضعتُ الكتاب، ما الذي يمكن أن أفعله؟».
- «لا أعرف، كان يمكن أن تكوني أكثر حرصاً على المحافظة عليه».

خلال عام كامل بحثتْ صديقتي الممثلة عن كتاب آخر تسمّيه «كتاب حياتها»، فحسب قولها لم تجد نسخة أخرى من الكتاب الضائع.
وبعد مرور عام كامل على حادثة الاختفاء، وفي السيارة نفسها التي ابتلعته أو أخفته، وجدت الكتاب. لم أجده أنا، وجده تحت المقعد الخلفي الطويل الشاب في محطة تعبئة الوقود. فكّ المقعد قبل أن يغسله مع "فرش" السيارة غسيلاً "سوبر إكسترا" كما سمّاه. سلّمني الحقيبة بغبارها وفي داخلها الكتاب، فابتسمت ولم أعرف فكّ اللغز. وقبل أن أتصل بمَن كانت صديقتي صاحبة الكتاب، سارعتُ إلى قراءته لأفهم لمَ اعتبرتْه كتاب حياتها. وحين أنهيت قراءتي الأولى للكتاب، قررت أن أؤجل اتصالي بها وأن أقرأه مرة ثانية لعلّي أفهم أسئلته وأفتح الأبواب التي كتب عنها صاحب الإسم المطبوع على غلافه، وهي أبواب الأسرار، كما سمّاها، ثم كَتَبَ «أبواب أسرار الأسرار».

معاني الكلمات في الكتاب غامضة وواضحة في الوقت نفسه، لكنها لا تعرض مشكلة أو حلاً أو قصةً بمشكلة وحلّ. أيكون  كتاب حِكَم مثل تلك الكتب التي أمقتها؟ هو كتاب، مجرّد كتاب لا يمكن أن ترتبط به حياة كاملة. وهو كتاب مجرّد كتاب، وكل كتاب يمكن أن يمسّ حياة كاملة. لا شك في أنني أحتاج إلى قراءته مرة ثانية، وربما لن أتخلّص منه إذا وجدتْ صديقتي السابقة لحياتها كتاباً آخر.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079