روتين
رنة (مسج) تسرقني فجأة من روتين ممل. تجعلني أقبض على (الموبايل) بين كفي، أغمض عينيّ وأردد بضراعة:
- يارب يكون شي حلو.. يارب يكون شي حلو..
- يعني ايش ممكن يكون الشي الحلو؟
اضحك بخبث وأنا أجيب تلك المشغولة بمتابعة مسلسل ما على شاشة التلفزيون:
- راح اعرفه لما أشوفه..
- على أساس إن حياتك مليانة أسرار! تقولها بسخرية..
وابتسم.
ستكون كذلك يوماً ما. سأعبئ بالأسرار جنبات حياتي، وسيسألني الجميع ذات يوم عن تلك التفصيلات البسيطة و(غير المطمئنة) التي لا يفهمون معناها. عن أجراس صغيرة ذهبية ستجلجل لحظة أضحك، وعن مساحات من الوحشة ستدهمني لحظة أشتاق، عن غضبي، عن رضاي، عن حدائق سرية لن تفهموها أنتم الذين أنوي أن أعذبكم بابتسامة غامضة مجهولة الأسباب أرسمها على وجهي صباحاً وأنا أتناول فنجان قهوتي العربية وأقول بخبث: «ليش اليوم حلو؟»، أو ليال من الحزن ستسألونني عنه بلوعة ولن أجيبكم!
لن تكون رنة (مسج) واحدة ويتيمة بل سيمفونية من الرنات..
وكرنفالاً لا ينتهي من (الايميلات) المطعمة بوجوه صفراء صغيرة مبتسمة وقلوب، ومكالمات لم يرد عليها، واسم زغيّره في كل مرة أحبه فيها أكثر.. وصور.
تفصيلات وتفصيلات ستسرقني من روتيني الممل إلى فردوس من البهجة..
ستسرقني من حلقة معادة لمسلسل «فرندز» يترك فيها روس ريتشل للمرة الألف غير مباليين باعتراضاتي.
من جلسة مؤجّلة أقرّر فيها أخيراً الرد على ايميلات تتكدس في صندوقي وتوشك أن تتحول إلى طوفان.
من رسائل ماسنجرية تتقافز أمامي بعناد رغم إني أدخل أوف لاين ويكتب لي أصحابها:
«نعرف أنك موجودة».
وأضحك كثيراً وأنا أطبع على الكيبورد: طيب مادام تعرفون.. حلّوا عن سماي!!
من جلسة نميمة إجبارية تقدم فيها شقيقتي وصلة نقد وتحليل مفصّلة حول سهرة البارحة، وتنفعل بطريقة مضحكة بينما تتحدث عن أشخاص لا تحبهم وتضطرّ أن تجاملهم وأقول لها.. «طيب لا تعصّبين!».. فتغرق في الضحك.
من صورتي أمام المرآة وأنا أطلي عيني بـ (ماسكارا) سوداء وأفكّر في عينين تخطفان قلبي ولا أبلغ عنهما الشرطة!
من فساتين أقيسها ألف مرة ولا أنتهي، وصنادل أجرّبها ألف مرة ولا تنتهي..
من كتب مبعثرة أنوي كل مرة أن أصفها في مكتبة ثم أتراجع، إذ قد لا أملك قلباً يحتمل كل تلك التواريخ التي ستكون مخبوءة بين طيّاتها.
صورة (ما) أنوي أن أدسّها في كتاب لأمين معلوف، وورقة صفراء كنت أسميها رسالة بتخبئها أم غوركي في قلبها، وأزهار يحتضنها جوزيه ساراماجو لا شيء فيها متماسك إلا الشجن.
تفصيلات وتفصيلات مسطّرة في صحائف أزلية تقبع في عتمة الغيب وتنتظرني. وأنوي أن أعب منها بنهم!
وإلى أن يأتي ذلك اليوم سأظلّ أخطف الموبايل كل مرة أسمع فيها رنة (مسج)، وسأضمّه بين كفي وأنا أغمض عيني بضراعة وأردّد:
- يارب يكون شي حلو.. يارب يكون شي حلو..
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024