حقيبة
على شرفة (ما) يجلسُ وحدهُ. يؤرجحُ كرسيهُ الخشبي بشكينة ويملأ رئتيه بهواء الليل المشبع برائحةٍ زرقاء ومالحة.
وعلى شفتيه ترتسمُ ابتسامة عادية ولحن. يحاولُ إتمامهُ فلا يستطيع. يُحاول ثانية، ولا يستطيع. يُعيدُ المحاولة مرة بعد مرة بعد مرة ثم يتوقف، ويقرر أنه يريد أن (يرحل)!
يسحب حقيبة سفر صغيرة لطالما ظنها فوق الخزانة ولكنه وجدها تحت السرير. وبعناية يُعيدُ رصّ أيامه داخلها، خيبة بعد خيبة. صور أصحابه، فواتير مواعيده العاطفية، أحلامه غير المدونة في أجندة، و(قلبها) المحطم. ولما لم يجد مكاناً لاسطوانته المفضلة تركها ومضى.
كل الذين اشتاقوا إليه في البداية توقفوا بعد فترة.
فقدت شقيقته طعم الحلوى المسروقة من دكان (أبو أحمد) في رحلتها الأسبوعية إلى المستشفى، حيث يغسل الصغير كليتيه بدموعها.
وترك صديق طفولته هويته على مقعد احد المطارات التي يسكنها أكثر مما يسكن بيته.
ورحلت والدته ذات ليلة هادئة يسكنها رجاء الخلود السعد.
وتعلمت (هي) ضبط مواعيدها بدقات قلوب أطفالها.
وفي مكان ما، تحت القمر مباشرة يسير أحدهم، يحمل حقيبةً بيدهِ اليُمنى، وعلى شفتيه ترتسم ابتسامة عادية ولحن.
يحاول إتمامه فلا يستطيع، ولا يتوقف.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024