قصة سعيدة
تريدني (فاطمة) أن أحكي لها قصةً سعيدةً، عن شخصينِ سعيدينِ. يزوران أماكنَ تغمُرُها البهجة، ويتناولان الـ(ايس كريم). يسيران في شوارع عتيقة، في (كازا) مثلا أو في (بحمدون)، تصْطَفُ على جنباتها حوانيت صغيرة ذات أبوابٍ خشبيةٍ تنتشرُ بضاعتها الملونة خارجها في احتفالية يومية مُستمرة. وعلى رصيفٍ ذي حجارة مرصوصةٍ وقديمة يُقلّبانِ الملابس والتحفَ وقناني العطر الشعبيةِ بينما يتفاديان العابرين ذوي الحدقات الملونة والبشرات المسفوحة بشمسٍ شرق أوسطية لا تعترف بالخجل.
تسحبُ (هي) منديلا أحمر، تربطهُ حول شعرها وتستعرضه أمامه وهي تبتسم بغنج. ويرشُ (هو) عطراً شعبياً رديئاً يعبسُ حالما يشُمه فتغرق (هي) في الضحك.
تريدني (فاطمة) أن أُحدّثها كيف يمران على الاواني النحاسية المتناثرة في كل مكان، يزيحان الجلاّبيات المعلقة على الأبواب، يُجربان الاساور والخواتم الذهبية اليدوية الصنع ولا يشتريان شيئاً.
فقط يسيران. يحيطان بعضهما بحميمية ويضحكان كثيراً على كل شيء.
على السائحة البريطانية العجوز التي تحاول عبثاً أن تفهم الفرق بين العملة المحلية وبين (الباوند) ويزيد البائع من حيرتها في حركة لا تخلو من لؤم. وعلى الرجل المتكئ فوق احد المقاعد المنتشرة في المقهى الصغير على الزاوية يسحبُ نفساً طويلا من (الارجيلة) بجانبه ويغمز لإحدى العابرات فتشتمهُ وتمضي.
على الطربوش الواسع الذي تجرب وضعه على رأسها فيسقط فوراً مغطياً عينيها وجزءًا من انفها. والجلابية المخططة التي يحاول البائع اقناعهُ بشرائها زاعماً بأنها ستزيده سحراً في عينيها -وكأن ذلك مُمكن-
احكي لفاطمة المستلقية على السرير المجاور لسريري في غرفتنا المطفأة الأنوار منذ الحادية عشرة استعدادا لزائر النوم الذي لم يعد يدل الطريق، فتكاد تراهما يسيران بلا توقف.مجرد شخصين سعيدين، لا شيء مما حدث في زمنٍ مضى يتوارى خلف العبارات المغرقة في الغرام التي يتبادلانها بنهم فتبدو مغسولة بالمرارة. ولا شيء مما يقتلهما الجزع خوفا من حدوثه في زمنٍ قادم يلوح خلف نظراتهما الولهى منتزعا كل قيم الـ(طمأنينة) كطاغية.
لا شيء الا الحُب.
وحده ينتشرفي الاجواء كتعويذة سحرية لمهرجانٍ من المسراتِ التي لا تنتهي. ينسابُ كتيارٍ ما ان تلتقي ايديهما عَرَضَاً فيُضيء فجأةً قلبُهُ وتُزهرُ أحلامُها كحديقة. وعندما يحاول ايقاف تاكسي ليعودا الى الفندق تقنعه بان يكملا مشياً على الاقدام.
الوقت تأخر.
تخاف؟
أخاف عليك.
أحكي لها كيف جلسا متلاصقين في المقعد الخلفي للتاكسي يحيطها بذراعه اليمنى ويمسك باليسرى كفها الصغيرة بينما تحدثه بحماس طفولي عن قصة (ما) تكمن اهميتها في الشفتين الورديتين اللتين تحكيانها، يتجاهلان نظرات السائق المتلصصة وعباراته ذات الطابع السياحي. يسألهما ان كانا يزوران المدينة لأول مرة ويعتذران بأدب عندما يسألهما ان كانا يحتاجان مرشداً. وقبل ان يصلا الى فندقهما بقليل تغرق فاطمة المسكينة في النوم فيفوتها كل شيء.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024