«بيروت عاصمة عالمية للكتاب... بين العمل والأمل»
تعيش بيروت اليوم حدثاً ثقافياً غير عادي بعدما اختيرت من منظمّة اليونيسكو الدولية في العاصمة الفرنسية باريس «عاصمة عالمية للكتاب». وبعدما تسلّم وزير الثقافة اللبناني تمّام سلام الشعلة من امستردام لينقلها إلى بيروت، انطلقت فعاليات هذا المهرجان الثقافي منذ أسابيع قليلة من خلال حفل افتتاح كبير حضره رئيس الجمهورية اللبناني ميشال سليمان ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي ورئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة وأمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى وشخصيات سياسية وثقافية ودبلوماسية رفيعة من لبنان والعالم.
ولكن مع بداية انطلاق هذا الحدث الضخم الذي يستمرّ لمدّة سنة كاملة، أسئلة كثيرة وجوهرية قد تُراود اللبناني، أيّ لبناني، يعرف حقيقة الأزمة الثقافية التي يتخبّط فيها: «هل سيكون بمقدور بيروت أن تُعيد خلال عام واحد فقط أمجاد ماضيها كأم الشرائع ومنارة الثقافة والمعرفة؟ وهل سترتقي المشاريع المطروحة لهذا العام إلى مستوى هذا الحدث الذي يضع بيروت في منافسة مع أهم عواصم العالم وفي تحدٍّ مع ماضيها؟
ليلى بركات (المنسقّة العامّة لـ«بيروت عاصمة عالمية للكتاب»): هدفنا ألاّ نحصر دور «بيروت» الثقافي في سنة واحدة فقط
- بدايةً كيف تُقوّمين هذا الحدث الثقافي الكبير بعد انطلاق فعالياته من وجهة نظرك كمنسّق عام؟ وكيف تنظرين إلى نوعية المشاريع المطروحة؟
شعار برنامج بيروت عاصمة عالمية يختصر نظرتي إلى هذا الحدث الذي سيجعل هذه السنة في بيروت «سنة ثقافية لا تُشبه ما سبقتها من سنوات». فإلى الآن هناك 250 مشروعاً كمّياً ونوعياً من مختلف المجالات الثقافية، وأنا من قام بالتخطيط ووضع البرنامج، وكان لديّ رؤية معينة اطّلع عليها وزير الثقافة تمام سلام الذي وفّر مبلغ 330 ألف دولار من الوزارة ومليون دولار من بلدية بيروت ومبالغ أخرى من قطاعات خاصة ومؤسسات فكرية ومن مشاركات بعض الدول الأجنبية حتى صار لدينا 8 ملايين دولار جاهزة للمضيّ في تنفيذ المشاريع المميزة التي قُدّمت إلينا والتي تليق فعلاً بمستوى هذا الحدث الثقافي الكبير الذي يشهده لبنان.
- كيف يُمكن النظر إلى بيروت كعاصمة عالمية للكتاب في الوقت الذي تؤكّد فيه الإحصاءات أن نسبة المُقبلين على «الكتاب» ضئيلة جداً؟
هذا الحدث الضخم يهدف في الأساس إلى تدعيم الثقافة وتكريس المطالعة والقراءة في المدن المعروفة بتاريخها الزاخر وإنما تنقصها المشاريع والمهرجانات والأحداث الثقافية المميزّة. من هنا فإنّ منظمة الأونيسكو لن تختار مدناً ناهضة ثقافياً مثل باريس وفرانكفورت مثلاً، لذلك جاء اختيار لبنان كعاصمة عالمية تاسعة للكتاب من أجل العمل على إحياء ماضيها الثقافي حين كانت «بيروت تؤلّف وتنشر والعالم العربي يقرأ». وهذه السنة الغنيّة جداً بمشاريعها الثقافية المتنوعة ستُعيد أهمية الكتاب في لبنان وستحقّق هدفها في جعل بيروت عاصمة ثقافية بامتياز.
- رغم أهمية المشاريع المطروحة على مدار عام كامل إلاّ أنّه لا يُمكننا التفاؤل إلى حدّ الإيمان بأنّ هذه السنة ستكون كفيلة بإنعاش الوضع الثقافي في لبنان والعالم العربي حيث يعيش الكتاب في غيبوية منذ سنوات طويلة، أليس كذلك؟
أنا لا أقول إنّ هناك معجزة ستحصل هذا العام وإنما أؤكّد أنّه سيكون هناك جهود كبيرة من أجل التغيير والإستمرار إلى ما بعد 2010. والجدير ذكره أننا قررنا التعامل مع هذا الحدث المهم انطلاقاً من مفهوم الشراكة، الأمر الذي يحثّ القطاع الخاص على تمويل نشاطات ثقافية والمجتمع المدني على التعاون مع المؤسسات الثقافية لتفعيل المشاريع الثقافية وتوسيع دائرة المطالعة والقراءة ليس فقط من خلال فعاليات «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» المحدودة في سنة واحدة وإنما لكي تبقى الأنشطة الثقافية منتعشة أطول عدد ممكن من السنوات.
-ما هي كلمتك الأخيرة في هذه المناسبة؟
أحبّ في النهاية أن أدعو كلّ الناس للمشاركة في هذه السنة الإستثنائية وأن يُشاركوا بكثافة، وباب الترشيح وإرسال المشاريع مازال مفتوحاً أمام الجميع حتى نهاية العام.
من دور النشر المشاركة:
«دار الساقي»
هناء بسما: وجدنا في وزارة الثقافة الدعم المعنوي أكثر من الدعم المادي
- هل وجدتم كدار للنشر صعوبة في التعاون أو الإتفاق مع وزارة الثقافة؟ وكيف تستعدّون لتنفيذ مشاريعكم؟
بصراحة لم يكن هناك أي صعوبة لأنّ وزارة الثقافة كانت متجاوبة معنا منذ البداية والمنسّقة العامّة ليلى بركات كرّست كلّ وقتها لدراسة المشاريع بتفاصيلها، وبالفعل لاقت أفكارنا الإعجاب والتقدير ونحن نعمل جاهدين لتقديمها على أكمل وجه.
- هل ساهمت وزارة الثقافة في تمويل مشاريعكم أم أنها من تمويل خاص؟
في الحقيقة الصعوبة لم تكن في التعاون وإنما في التمويل لأنّ وزارة الثقافة وإن ساهمت في دعم بعض المشاريع إلاّ أنها لم تتولّ مسؤولية التمويل، ولكنها في ظلّ غياب الدعم المادي الكبير عملت على الدعم المعنوي الذي يُشكّل حجر الزاوية بالنسبة إلينا. والثقة التي وُضعت في مشاريعنا تُحمّسنا أكثر على المضي قُدماً في تنفيذها بالشكل الذي يرتقي إلى مستوى هذا الحدث الثقافي الكبير.
- وماذا عن المشاريع المنظّمة من قبل دار الساقي؟
نشارك في هذا المهرجان الثقافي من خلال عدّة مشاريع تختلف من حيث الشكل والمضمون إلاّ أنها تهدف جميعها إلى الحثّ على القراءة والكتابة والإبداع. فمشروع «كيف تكتب رواية» هو عبارة عن سلسة من ورشات العمل التي تُديرها الروائية اللبنانية نجوى بركات وتهدف إلى إدخال كتّاب مبتدئين إلى ما نُسمّيه «مطبخ» الكتابة الروائية وذلك تحت مراقبة الكاتبة بركات التي تُعلّمهم فنون الكتابة السردية وفي النهاية تقوم لجنة التحكيم باختيار أفضل نصّ روائي، ومن ثمّ تتبنى دار الساقي نشره وتوزيعه.
- ولكن ألا تعتقدين أنّ أهمية مثل هذا المشروع قد تبدو نظرية أكثر منها تطبيقية بمعنى أنّه لا يُمكن أن نُعلّم أحداً فنون الكتابة الروائية خلال أشهر معدودة؟
هذا صحيح ولكن المشروع لن يكون محصوراً في شهر أو شهرين لأنّه كما سبق أن ذكرت سيكون هناك ورشات عمل، ومدّة الورشة الواحدة تسعة أيام تُنظّم على فترات متلاحقة خلال سنة كاملة. وستعمل الروائية نجوى بركات مع الفريق نفسه خلال فترة سنة، حتى يتوصّل كلّ منهم، عبر تطبيق ما اكتسبه من مهارات خلال هذه التجربة، إلى تأليف نصوص روائية. وستكون الفرصة ذهبية فعلاً للفائز الذي سيصبح كاتباً معروفاً في وقت قصير.
- وماذا عن المشاريع المتبقية؟
مشروع «لقيت كتاب؟» من المشاريع البسيطة والمفيدة، إذ يتولّى توزيع 200 كتاب تقريباً في أنحاء مختلفة من بيروت وفي أكثر من موقع: محلات تجارية، أفران، صالونات، مطاعم، تاكسيات... وترفق مع الكتاب استمارة تشرح هدف المشروع وكيفية تطبيقه، كما تتضمّن خانة يملأها كل من وجد الكتاب (إسمه وعنوانه ورأيه في الكتاب). وبعد الإنتهاء من قراءة الكتاب وتعبئة الإستمارة يُمكنه وضع الكتاب في مكان مختلف ليجده شخصاً آخر، وهكذا يُمكن لكلّ الذين قرأوا الكتاب أن يتواصلوا ويلتقوا للحديث والنقاش حوله. وهناك مشروع مشابه تحت عنوان «مكتبة في مقهى» الذي يهدف إلى استحداث زاوية ثقافية داخل المقاهي ذات الطابع الثقافي، وهكذا يُمكن لروّاد المقهي الإستمتاع بقراءة الكتب التي تختلف من حيث الموضوعات واللغات مجاناً. إلى جانب ذلك تمّ التعاون بين «دار الساقي» والمخرج رئيف كرم من أجل عرض مسرحيته «مقام الجدي» بالتعاون مع وزارة الثقافة أيضاً. ويرافق العرض توزيع كتاب مجاني بعنوان «طعم الخبز» بقلم رئيف كرم الذي يحكي فيه عن تجربته المسرحية.
من الجمعيات الثقافية المشاركة
جمعية أمم- هنغار
جوستين دي مايو: أردنا من خلال مشاريعنا أن نحثّ على الثقافة بدلاً من الحرب
- أنتم من المراكز الثقافية التي تستقطب عادة أبرز النشاطات الأسبوعية، فما هي المشاريع التي سوف تعملون عليها طوال عام كامل ضمن الإحتفاء بـ«بيروت عاصمة عالمية للكتاب»؟
لدينا ثلاثة مشاريع ثقافية تمّ الموافقة على اثنين منها ومازال هناك دراسة للمشروع الثالث. المشروع الأوّل هو من تنظيم «أمم ودار الجديد» ويقع تحت عنوان «احتفال بالأدب المترجم إلى الفرنسية في حارة حريك»، ويطرح المشروع الذي سيُقدّم على مدى يومين متتاليين في مركز «أمم-هنغار» في حارة حريك معرضاً للتعريف بالكتّاب اللبنانيين والعرب الذين تُرجمت أعمالهم إلى الفرنسية.
والمشروع الآخر يعنى بإعادة طرح أرشيف «أمم» الخاص بالحرب الأهلية من خلال نصوص مكتوبة وعرض أفلام ووثائق وما إلى هنالك، وذلك من أجل التأثير على الشباب المثقف وإظهار صورة الحرب البشعة.
- وما هي قيمة هذه الأعمال التي ستطرحونها في هذه المناسبة؟
أهمية المشروع الأول تكمن في استضافة الكتّاب حول الطاولة المستديرة من أجل التعرّف على تجربة هؤلاء من جهة وخلق تواصل بين الجمهور اللبناني والكتّاب من جهة ثانية. وكما سيتمّ تسليط الضوء على تجربة دار النشر الفرنسية «أكت سود» المعروفة بدعمها للإنتاج العربي واللبناني في فرنسا. ومن المفترض تنظيم قراءات أمام الجمهور بمعنى أنّ الكاتب سيقرأ مقتطفات من نصّه بالعربية، ويتولّى ممثلّون قراءات مشهدية للترجمة الفرنسية.
أمّا المشروع الثاني «حدائق الحرب» فهو بمثابة توثيق للوجه المريع للحرب الأهلية التي لم ولن تؤدّي سوى إلى خراب لبنان، وذلك من خلال أعمال ثقافية مميّزة.
- كيف تنظرون إلى «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» بعد انطلاق فعالياتها؟
المشاريع كثيرة ومتنوّعة ويبقى أملنا في أن يستغلّ اللبنانيون هذه المناسبة الكبيرة من خلال المشاركة والعمل على تكريس دور لبنان الثقافي في الشرق والعالم أجمع.
«جمعية أصدقاء المكتبات العامّة- السبيل»
لارا خطّاب: مشاريعنا تكرّس ثقافة المطالعة وتُدّعم دور المكتبات العامّة
- المعروف عن «جمعية السبيل» سعيها الدائم إلى افتتاح المكتبات العامّة والعمل على تعميم ثقافة المطالعة وتفعيل دور المكتبات العامّة. فما هي مشاريعكم المطروحة خلال هذا العام الثقافي في لبنان؟
هناك الكثير من المشاريع المهمة التي وافقت عليها وزارة الثقافة نظراً إلى أهميتها، ومن أبرزها تأسيس مكتبة عامّة في طريق الجديدة لتقديم خدمات ووثائق لكلّ الفئات العمرية، وكذلك إطلاق مكتبة عامّة جوّالة جديدة Kotobus ومشروع آخر تحت عنوان «اكتشاف الأحياء» الذي يهدف إلى إقامة أربع جولات ثقافية حول المكتبات العامة في بيروت والباشورة ومونو وطريق الجديدة.
- وماذا بالنسبة إلى مشروع «كيف نحكي قصّتنا المشتركة»؟ وهل يندرج ضمن إطار مشاريعكم الهادفة إلى تعزيز المكتبات العامّة؟
هذا المشروع الذي تنظّمه «جمعية أصدقاء المكتبات العامّة- السبيل» بالتعاون مع وزارة الثقافة هو في الأصل مبني على أساس إقامة سلسلة من ورشات العمل في المكتبات العامّة في بيروت وفي لبنان، لذا فإنّ هذا المشروع يُعزّز أيضاً كما كلّ مشاريع جمعيتنا دور المكتبات العامّة ويخدم التنمية الثقافية المستدامة.
- ما أهميّة الدور الذي ستلعبه المكتبة الجوّالة- التي تُعدّ فكرة جريئة ومميزة- خلال فعاليات «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»؟
بمناسبة «بيروت عاصمة عالمية للكتاب» قرّرنا إطلاق مشروع Kotobus في بيروت وضواحيها الشمالية وهي المكتبة الثانية ضمن سلسلة المكتبات الجوّالة التي تجوب المناطق اللبنانية وتحديداً المناطق التي تفتقر إلى المكتبات العامّة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024