«التجربة اللبنانية-الدانماركية»
هوّة عميقة تفصل عالمي «الشمال» و«الجنوب» دون إيجاد من يردمها أو يكتفي بمحاولة ردمها. وتأتي الإختلافات الأيديولوجية والسياسية والإقتصادية والدينية لتزيد ذاك الشرخ القائم بين معسكري الشمال (الدول المتقدّمة) والجنوب (الدول النامية أو في طور النمو). ورغم أهمية دور «الثقافة» في تقليص المسافة بين كلّ دول العالم على اختلاف ظروفها ومعتقداتها إلاّ أنّ الخطوات لا تزال خجولة وباهتة قياساً بالدور المحوري الذي يُمكن للثقافة أن تلعبه من خلال مجالاتها المتفرّعة: «الأدب، الموسيقى، المسرح، السينما، الرسم...». وانطلاقاً من هذه الفكرة وتكريساً للعمل الجبّار الذي يُمكن للثقافة أن تقوم به، دعت جمعية «أمم-هنغار» إلى ندوة ثقافية تحت عنوان «هكذا ننظر إلى بعضنا البعض» من تنظيم المركز الدانماركي للثقافة والتنمية والسفارة الدانماركية، بهدف كسر فكرة «الصور المنمطّة» التي يتسلّح بها كلّ من الشرق والغرب لإلغاء إمكانية نجاح أي حوار أو مشروع تفاهم بين الدول المتباعدة. ولم يأت اختيار «الدانمارك» عبثياً لكونها تُمثّل الدولة الأكثر «عداوة» للعرب والمسلمين منذ عام ٢٠٠٦، الأمر الذي يُعطي فكرة التحاور معها المزيد من الأهمية والتميّز.
فجاءت الأمسية «الدانماركية-اللبنانية» نموذجاً لداء «عمى الألوان» المتبادل بيننا وبين الآخر. فبعد أن أصبحت الدانمارك لا تُمثّل سوى الرسوم الكاريكاتورية ضدّ الأسلام كان هناك ضرورة للتأكيد على أنّ هذه الأعمال غير المتحضرة التي طالت الإسلام والمسلمين وأساءت إليهم في كل مكان وقُطر، لا تُترجم سوى أفكار ناشريها وليس كلّ الدانماركيين. وهذا ما أكّده السفير الدانماركي في لبنان يان توب كريستينس عندما اعتبر في الكلمة التي ألقاها خلال الأمسية أنّ الحرية المتجذّرة في الدستور الدانماركي استُخدمت بتهوّر، وعبّر عن رغبة الدانمارك في التحاور مع العالم العربي وتبادل الآراء مع الآخر وفتح النقاش في كلّ المسائل ورفض الإساءة للآخرين على أساس هويتهم الدينية. وكذلك قدّم الممثل الدانماركي من أصل مصري عمر مرزوق مقتطفات إرتجالية فكاهية تُكرّس تلك الصور المنمّطة، إنطلاقاً من تجربته الشخصية كعربي مسلم يعيش في الدانمارك. كما عُرضت مقتطفات من فيلم أخرجه الدانماركي جورج لارسن واللبناني أحمد غصين بعنوان «عربي في المدينة». ومن ثمّ اختُتمت الأمسية بحوار ثقافي عميق جمع بين الروائي والصحافي اللبناني حسن داوود من جهة والصحافي الدانماركي آدم هانستاد من جهة أخرى، مع الإشارة إلى أنّ هانستاد من أشهر صحافيي الدانمارك المتابعين لقضايا العالم العربي. وطرح النقاش الذي أُقيم تحت عنوان «الآخر في إعلام الآخر» إلى صورة الدانماركي في الإعلام العربي وصورة العربي في الإعلام الدانماركي، مع ضرورة تغيير هذه الصور الناقصة التي لا تُعبّر عن الشعوب العربية أو الدانماركية بالمطلق، وعرض بعض الحلول لتخطّي أزمة الصور الزائفة في عصر هيمنة سلطة الإعلام.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024