تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

باي باي

قطرة مطر صغيرة طال انتظارها غيرت وجه الرياض بالكامل. صبغت كل ما حولنا ببهجة لا يمكن تجاوزها. غسلت الشوارع والاشجار والمنازل المسكونة بالسأم. فجأة لم يعد الطريق الى الجامعة رحلة روتينية مملة، ومعركة غير متكافئة ينتصر فيها النعاس كل مرة رغما عن كوب الشاي بالحليب الذي اترك نصفه على طاولة المطبخ متجاهلة دعوات والدتي اليومية لاكماله.

«تأخرت على المحاضرة باي»

أصفق الباب خلفي وأصعد مسرعة إلى السيارة بينما أرفع طرف عبائتي المزينة بشريط من الكرستالات الصغيرة الزرقاء في محاولة لتجنب بحيرات الماء المتجمعة في حفر الشوارع غير المعتاة على ترف الارتواء.

«(رضا) روح طريق عثمان بن عفان».

«مافيه جامعة اليوم؟!»

اتجاهل نبرة الريبة التي يواجهني بها في كل مرة أستسلم فيها للحظة تهور طارئة. و أتساءل إن كانوا يعلمونهم في مدرسة (القيادة) قراءة الأفكار!  وأُداريه أكثر مما أُداري الذكور في عائلتي!

«فيه جامعة، بس روح لطريق عثمان بن عفان أول»

يبدأ التبرم بلغة باكستانية لا افهمها. أتجاهلها بالنظر عبر النافذة  الى الشوارع المبللة وشيء من الانتعاش يغمر روحي بطريقة لا أتعب نفسي كثيراً بمحاولة فهمها. إذ استسلم لها بالكامل رغم السخرية التي تقابلني بها (أميرة) الجالسة الى جانبي في الصف الأخير من قاعة المحاضرات تقلب المذكرة بضجر.

- «سلامات ليش مبسوطة اليوم؟»

- «يعني لازم يكون فيه سبب عشان نفرح؟ كم ياترى من الأشياء الصغيرة تمر بنا كل يوم حاملة معها مهرجانا من الفرح نتجاوزها بلا مبالاه وبشيء من الصلف زاعمين لأنفسنا بأن قضية الحياة أكبر من ذلك وأكثر تعقيدا. ألم يخطر في بال أحد بأنها ربما ليست كذلك».

تمط شفتيها بسخرية وتقول: «أقول الله يخلي الهرمونات»

-«رضا روح يمين»

ينعطف بالسيارة بسرعة مفاجئة  في حركة مكشوفة  يعتمدها كل مرة يرغب فيها بـ(تسجيل موقف). أغض الطرف عنها للمرة المليون وابدأ بعدّ البيوت ابتداء  من المنزل الاول على الزاوية . واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة.

-«وقف هنا»

يوقف السيارة أمام الباب الأخضر الكبير، ويقول بلهجة عربية مكسرة ولكن حازمة لايمكن انكار ذلك.

«هادا بيت مين؟»

أتجاهل سؤاله المرتاب  وأمد له كيس ورقي ثقيل طالبة منه تعليقه على الباب. ومن النافذة أراقبه بينما يقفز من السيارة برشاقة متجنبا مستنقع المياه الصغير المتجمع تحتها. يعلق الكيس ثم يعود أدراجه. وما أن يغلق الباب حتى أبادره:

-«الحين روح جامعة»

وعلى رنين الكلمات المتبرمة التي أصبحت الخلفية الموسيقية لكل مغامرة أقوم بها منذ دخل (رضا) حياتنا كسواق، أطبع على الجوال رسالة نصية حاولت جاهدة ان أجعلها  دقيقة ومحددة.

«حطيت لك أغراضك وهداياك على الباب. (أميرة) تقول لك انساها، خلاص قررت تتزوج».

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077