تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

إجازة

أما آن لي أن أستريح؟
أن أتكئ على جدار ما تحت شمس أقل حدة وأغمض عيني لدقيقة واحدة، واحدة فقط ولا شيء أكثر؟
ألا تمنحني تلك الوحوش المحتفلة في ذاكرتي ترقصُ طرباً على أوتارِ هزائمي وتعبُّ من دمي حتى الغرق يوماً واحداً أدلل فيه روحي المنهمكة في بازارات من المعارك السخيفة التي لا تنتهي لا بالهزيمة، ولا بالنصر؟

يوماً واحداً فقط، استسلم فيه لكوافيراه برازيلية ثرثارة تُلوِّن شعري في ربع ساعة وفي الباقي تحدثني عن الرياض التي تعرفها أكثر مني، الرياض التي يعرفها الجميع أكثر مني.

تشد خصلة من شعري وتقول: (ريو دي جانيرو) صاخبة أكثر مما احتمل... الحياة هنا تناسبني تماماً.
ثم تبدأ بالحديث عن حفلات، وشوارع، وموسيقى، ونساء لا يعتريهن الخوف من مقابض الأبواب غير المقفلة، ولا يسكنهن هاجس إثبات أي شيء لأي أحد.
فأغرق في دهشة لا تنتهي، وابدأ بالتساؤل إن كانت تثرثر عن المدينة نفسها التي أحاول عبثا أن أتبينها من خلف نافذة مضللة تقطع (طريق الملك فهد)
وتشيح بوجهها عني في كل مرة.

يوماً واحداً، و يتيم هو كل ما احتاجه. استرخي فيه على كرسي التدليك الجلدي الفاخر، أمدُ أطرافي أمام تلك المخلوقة اللطيفة ضيقة العينين تُدرّم أظافري بمهارة، وتطليها بلون أحمر يشبه قلبي المتورم عشقا لا يأتي وخيبات لا تغيب. تحكي لي عن رحلة الحب الـقديمة، تلك التي تبدأ في أتون السعير وتنتهي كقوالب مربعة تنتفض بردا وسلاما في أخر زاوية من زوايا (الديب فريزر):
(جينا) تختارين الرجل الذي يحبك أم الرجل الذي تحبينه؟

تضحك بمجون وتقول:
«الرجل الذي يحبك يُدلّلُك أما الرجل الذي تحبينه...» تصمت قليلا ثم تقول: «حتما الرجل الذي يحبك... نعم اختاري الرجل الذي يحبك».

ثم تغرق في تفكير عميق أعرف من اللحن الشجي الذي تبدأ بترديده أنه لا يدور حول أشياء (سعيدة). 
يوم واحد هو كل ما أحتاجه، أتلقفه بكل امتنان ورضا. إجازة من نوع (ما) أستحقها بكل ما أملك من تفانيٍ لألمٍ قديمٍ أستضيفهُ بكرمٍ بدويّ نبيل ولكن ساذج، يسرقُ منى أكثر من أيام الضيافة الثلاثة وعبثا أحاولُ أن أسرق منهُ خَلاصي!

يقبعُ ساكناً كغريب يفهم جيداً بروتوكولات الأدب، إلا من نوبات متقطعة، أتجاهلها بينما أعد أقداح القهوة العربية المُرة، و أدندنُ لحناً يحبهُ أبي ولا يعرف كيف يُغنيّه(!)

(مرسول الحب... فين امشيتي... وفين غبتي علينا؟)
أغيّر المحطة في كل مرة تصدح فيها أغنية تثرثر للناس عن قصص أخبئها في أقصى زوايا ذاكرتي وأقف بكل حزم أُقايضُ قدسيتها بـ(براحة بالي) ثم اسقط منهكة في ميدان الاكتئاب أبحث عن إجازة (ما)، يوم واحد، ولا شيء أكثر.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077