المنتدى الإعلامي أكّد...
يختلف وجه الإعلام العربي بين صامت وشامت ومتفاعل إزاء الأحداث الملتهبة التي تجري دوماً في منطقتنا، وهذا أمر طبيعي مع وجود 600 قناة فضائية عربية مختلفة التوجهات والأهداف تبثّ برامجها على شبكات الأقمار الصناعية إلى المشاهدين العرب في أرجاء العالم كلّه. ولأنّه لا بدّ من احترام عقلية المشاهد والعمل على عدم تشتيت ذهنه، تعمد مجموعة كبيرة من هذه الفضائيات إلى الإجتماع من خلال تشكيل لجنة عليا تهدف إلى التنسيق في ما بينها وتطوير عملها عبر فتح سجالات حول الحرفية المهنية.
وفي هذا الإطار استضافت قناة «المنار» التلفزيونية اللبنانية بالتعاون مع اتحاد إذاعات الدول العربية اللجنة العليا الرابعة عشرة للتنسيق بين الفضائيات العربية في بيروت من خلال منتدى إعلامي حمل عنواناً جاذباً يُزاوج بين العمل الإعلامي النظري والتطبيقي: «المعايير المهنية في تغطية الفضائيات العربية للأحداث الإخبارية: تغطية الحرب على غزّة مثالاً»، وذلك في حضور وزير الإعلام اللبناني طارق متري الذي قال في كلمته إنّ الإعلام العربي يعيش حالة من التطور والريادة، وأضاف أنّ تغطية الحرب على غزّة تكرّس ذلك وخصوصاً تجربة الصحافيين الغزّاويين الذين أدّوا مهماتهم على أكمل وجه رغم خطورة الوضع وقسوة الظروف التي كانت تُحيط بهم. وفي تفسيره لماهية الإعلام المثالي رسم صورة تتجلّى فيها الكثير من التناقضات التي لا بدّ من وجودها للحصول على إعلام حقيقي وغير منحاز بقوله: «الإعلام المثالي هو إعلام حار وبارد، موضوعي وملتزم...». ورأى أنّ الإستقلال المهني عن المصالح السياسية الفئوية يُعزّز الصدقية الإعلامية بيد أنّ الموضوعية التي يتطلّع إليها كلّنا لا تنفي الوقوف بجانب الضحية، مع ضرورة الحرص على مساعدة المشاهد والمستمع على الفهم والمعرفة بدلاً من إثارته أو استفزازه.
وكذلك ارتأى المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية الأستاذ صلاح الدين معاوي الإشارة إلى حجم التطورات التي طالت المجال الإعلامي، وأوضح أنّ هذه التطورات الجذرية والمتسارعة تقتضي وقفة تأمّل ودراسة متأنية إزاء ما يفرضه هذا الوضع من تحدّيات وضرورة أن يكون هناك جسر بين القنوات وأن تستمع لبعضها وتتفاهم في ما بينها لأنّ هذا سينعكس إيجاباً على المتلّقي.
والجدير ذكره أنّ الإعلامي حمدي قنديل هو من تولّى إدارة جلستي المنتدى، إذ كانت الجلسة الأولى عبارة عن قراءات في تغطية الحرب على غزّة من خلال رصد تجربة الفضائيات العربية عبر مداخلة الأستاذ المحاضر في الجامعة الأميركية في بيروت د.نبيل دجاني الذي اعتبر أنّ «الحياد هو وسيلة للهروب من اتخّاذ موقف أخلاقي، وهذا الهروب يمثّل بحدّ ذاته عملاً لا أخلاقياً. واتخّاذ موقف حيادي في أمور أخلاقية هو موقف لا أخلاقي»، ثمّ طرح سأل: «كيف يُمكن للإعلامي أن يكون محايداً بين الحق والباطل والخير والشرّ؟»
وكان هناك قراءة أخرى للكاتب والصحافي الفرنسي ريشارد لابيفيير في تغطية الإعلام الغربي للحرب على غزّة أكّد فيها حجب أخبار الصراع العربي- الإسرائيلي عن الوسائل الإعلامية الغربية لا بل اختفاءها منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وانطلاق الحرب على الإرهاب، فبات الأمر مجرّد مسألة أمنية متعلقة بالإرهاب.
وكذلك قدّم رئيس مجلس إدارة وكالة «رامتان» الفلسطينية قاسم عزّت قراءته في تغطية الحرب على غزّة من منظور إعلامي فلسطيني، مُعتبراً أنّ الإعلام الأجنبي هو الضمانة الوحيدة لأمن الصحافي الفلسطيني وحياته، وغيابه عن موقع الحرب في غزّة صعّب عمله وجعله عُرضة للخطر والموت.
أمّا الجلسة الثانية فرصدت الأداء المهني في تغطية الفضائيات العربية للحرب على غزة (دراسةً وحالةً)، وكانت الفرصة لكي تُعبّر كلّ قناة عن المعايير التي اعتمدتها في تغطية الحرب. فقال في هذا الصدد ممثّل الفضائية السعودية عبد الله الحميدي: «وجدنا منذ اليوم الأول على الحرب أنّه من الضروري تجنّب الحديث عن أي خلاف فلسطيني- فلسطيني وحاولنا أن نظّل على مسافة واحدة من الجميع. وخلال الحرب على غزّة كان هدف التلفزيون السعودي الأوّل والأخير الإلتزام الكلّي بقضية العرب الأولى: فلسطين. كما أجرينا تغييراً جذرياً لخريطة برامجنا وانصّب الإهتمام على غزّة حتى يُتاح مع الإلتزام بالمعايير المهنية الأساسية حتى لا يُستثار الشعب أو تحصل حالة غوغائية في الشارع.»
وربما هذه الجملة استفزّت ممثّل قناة الجزيرة ومدير مكتبها في بيروت غسّان بن جدّو الذي أكّد موافقته التامة على كلام الحميدي باستثناء فكرة التحفّظ عن بعض الأمور خوفاً من إحداث حالة غوغائية لأنّ الشعب يجب أن يبقى واعياً وفاهماً وعارفاً بكلّ ما يجري من حوله، مؤكّداً أنّ ردّات الفعل لا يُمكن أن تُشكّل حالات غوغائية كما يعتقد البعض. واعتبر بن جدّو أنه لا وجود للحياد في الإعلام وإنما هناك من يُقرّر أن يكون حيادياً بالتزام معايير مهنية معينة. ثم أشار إلى الجدل الحاصل حول أخلاقيات نشر صور الجثث والضحايا مُعتبراً أنّ «الاعتبارات الأخلاقية تفرض احترام الضحية، لكن نحن من جهتنا اعتبرنا أن عدم إظهار هذه الصور مع كلّ قوتّها وبشاعتها يقدّم خدمة كبيرة لإسرائيل، وفي المقابل نشرها يشكل قوة ضغط على إسرائيل، وهو ما حصل في الحرب على غزة وفي الحرب على لبنان في تموز/يوليو 2006».
وعن تغطية المنار للحرب على غزّة أوضح مدير الأخبار في قناة «المنار» محمد عفيفي أنّ هناك 3 معايير شكلّت العمود الفقري لتغطية «المنار» على حرب غزة: «الإلتزام والمصداقية والتغطية الحيّة»، وأضاف أنّ قناة المنار عمدت من جهة إلى كشف عن حجم الضرر البشري والمادّي الذي ألحقته الحرب على غزّة، ومن جهة ثانية ركّزت على خسائر العدو البشرية والمادية والسياسية وفقاً لقاعدة التوازن القرآني: «ان كنتم تألمون فإنهم يألمون كما تألمون»، مع القرار الواضح ب«تسميّة الأشياء بأسمائها»، فاختير «العدوان على غزّة» كعنوان رئيسي مقابل شعارات «نار في غزّة أو غزة تحترق»...
وعن المصداقية قال ممثل تلفزيون «بي بي سي» العربية أنّ هيئة الإذاعة البريطانية عُرفت دائماً بأنها المصدر الموثوق للأخبار وللتحليل، واعتبر أنّ أكثر ما يُميّز نقل ال«بي بي سي» للأحداث أنه لا يُقدّم تعليقاً على ما يحدث وإنما تعتمد نقلاً موضوعياً ومتوازناً.
واختُتمت الجلسة بمداخلة لرئيس تحرير غرفة الأخبار في «العربية» نبيل الخطيب الذي قال إنّ الضربة الأولى على غزّة كان لها وقع الصاعقة عليه وعلى كلّ العاملين معه، الأمر الذي دفعه لإطلاق عبارة تلقائية «استنفروا يا شباب». وأضاف: «كل قناة تدّعي أنها الأفضل والأكثر موضوعية، لكن يبقى النقاد الذين يحللون مضمون ما تبثه القنوات، هم الحكام الفعليون لإثبات انحياز أو توازن كل وسيلة إعلامية».
وركّز الخطيب على أنّ «العربية» ارتأت بالدرجة الأولى تقديم الأخبار والمعلومات على حساب التحليل.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024