وانتم وش يقال لكم؟
تريد والدتي أن أتزوج، وأنا لا أريد!
ليس الآن على الأقل.وفي كل مرة يرن فيها هاتفها الجوال واسمعها تردد السؤال المشئوم:
«وانتم وش يقال لكم؟!»
أعرف أن كورس مكثف وفعال من (الزن) المستمر والتنكيل المعنوي سيكون في انتظاري في مستقبل الأيام. وأبدأ بالتفكير جدياً في صف ملابسي داخل أقرب حقيبة والـهروب إلى منزل خالتي طلباً للجوء السياسي إلى أن تمر الأزمة الديبلوماسية، إلا أني لا افعل.
وأظل أقاومها بكل ما أوتيت من قوة وهي تغيّر استراتيجياتها الحربية بفعالية مذهلة مستخدمةً الحوار المنطقي الحكيم أحياناً، وأحياناً المساومة العاطفية. وطبعاً أنواع الحظر الاجتماعي الذي استطيع الصمود أمامه وبكل بطولة طالما لم يرافقه أي عقوبات اقتصادية.
شرحت لها مرة أني لا املك شيئا ضد الزواج. ولكنه أمر بالغ الحساسية وعلينا الإقدام عليه حين نشعر بأن الوقت المناسب قد أزف، بدون أن ندفع إليه دفعا لمجرد أن آخرين يناسبهم أن يُقدّموه على خيارات أخرى.
-ماذا تعنين؟
-أعني أن إقدام ابنة خالتي الأصغر مني على الزواج لا يعني أن علي ألقاء نفسي أمام أول خيار لمجرد أن أثبت شيئاً (ما) للآخرين!
-ومتى إذاً ستتزوجين؟
أضحك وأقول:
-في الحلقة الأخيرة.
تزعجني تلك الفكرة المتسرعة التي أصبح يحملها الجميع حول موضوع بالغ الأهمية كتأسيس حياة والانخراط في مسؤوليات تشكل في مجموعها أمانة سيسألنا الله عنها، وحيوات بالغة الهشاشة ستعتمد بالكامل على استعدادنا ونضجنا، وقبل كل شي - وأهم من كل شيء- أرواح ستسكن إلينا(!)
أن يُتَّخَذ قرار خطير وشخصي كهذا القرار المزلزل على جميع الأصعدة العاطفية، الجسدية، النفسية، بناءً على ضغوط من أي نوع كانت، ضغوط الأهل، ضغوط العمر، ضغوط الغيرة، أو أي شيء آخر غير الاقتناع الهادئ والرغبة الصادقة والفهم الناضج هو شيء لا أستطيع أن فهمه، ويزعجني أكثر أن ينظر الى كل ما نقوم به من انجازات في حياتنا كبنات على أنها تضييع وقت «لحين يجي العريس».
ماذا لو لم يأتِ؟ هل سيلغي ذلك الأثر الذي أنوي أن اتركه في هذه الحياة؟ حتى لو لم يتخط هذا الأثر محيطي الصغير! هل يعني هذا أن علينا التوقف عن كل شيء والبدء باستثمار كل ما نملك من ذكاء و تميز وجاذبية على منصات الأعراس في محاولات مستميتة لتسويق ذواتنا أمام الأمهات الباحثات عن عروس على أنغام (طقاقة) علنا نحظى باعتراف دولي بإنسانيتنا المشكوك في أمرها.
لماذا أشعر بأن هذه الإستراتيجية لا تناسبني ولا أنوي أن أعتنقها. حتى لو انتهى الأمر بوالدتي بعد الكثير من جلسات المصالحة ومؤتمرات القمة العائلية والرحلات الديبلوماسية المكوكية بمنحي مهلة ستة أشهر تبدأ من يناير القادم، إما أن أتزوج خلالها وإما أن تعلن التعبئة العامة وتبدأ الحرب.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024