تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

كذِبُ التاريخ

لماذا لا نستطيع إلا أن نندب ونشرب دموعنا؟ لماذا نغمض عيوننا ونسأل بخوف: هل سيأتي دورنا؟ ومتى؟ ونخطط في رؤوسنا سيناريوهات الهروب. إلى أين؟ وكيف؟

كذب الغرب علينا بإنسانيته. قرأنا عن ستينات القرن العشرين، عن ثورة ١٩٦٨، واستمعنا إلى أغاني السلام. قرأنا عن ثورات المستعمَرين والتي ظنناها دفنت الاستعمار قبل أن يعيد إلينا التاريخُ المستعمِرَ في شكل ديكتاتور. صدقنا أن الإنسان، كل إنسان غال وأننا لا نمثّل ذلك الآخر الملعون. صدّقنا الكلام عن المساواة ومحاربة التمييز العرقي والديني، وتربّينا على حب السلام والخوف من نقطة الدم بالرغم من معارك دموية في قلب الوطن حوّلت صور طفولتنا إلى لعبة ألغاز، «بازل» من قطع ملوّنة بالبهجة وأحياناً بالخوف، يصعب تركيبها.

نحن نفهم معنى السلام الذي لا نستعمله ذريعة لزرع الموت.

ما حدث ويحدث في غزة يجعلنا نعيد النظر في الماضي كلّه، في ما تعلّمناه وما قيل لنا إنه الاختيار الصحيح. لكن إعادة النظر هذه ليست سوى تعبير عن الغضب تجاه ما يجري وتجاه العجز عن إيقاف ما يجري، عن تغيير المشهد.

كيف يبيد «الحضاريون» الأطفال وتصبح إنسانيتهم أرقى وأعمق وأجمل وأشهر؟ وندفن نحن رؤوسنا في الأرض لأننا وحوش تنتظر السلام. هم يخرقون أجساد الأطفال، ويطعمونهم حقد آلاف الأعوام. ثم يتهمون الأطفال «المخروقين» بأنهم قبلوا باستعمالهم دروعاً بشرية.

يدفع الأطفال في غزة ثمن عقد متراكمة لم تشفها ستون عاماً مما يسمّونه «الاستقلال»، ستون عاماً من اغتصاب التاريخ والحاضر والمستقبل. هذه الحرب هدفها الإبادة، كما تدلّ على أنهم يحتقروننا، إذ ليس ثمة ما يمنعهم من جعل غزة أو جنوب لبنان أو ضاحية بيروت حقول تجارب لأسلحتهم الوحشية، أسلحة تقتل بالسرطان مَن نجا من أثرها المباشر. ونحن نتفرّج على مشاهد الرعب، نتحمّس للمواجهة في لحظات غبية من الغضب العاجز ثم نخاف. ندعو إلى الله ألا يأتي دورنا، وفي حركة لا شعورية نغمض عيوننا ونصمت.
ليس موقفاً سياسياً اعتبار ما يحدث في غزة مجازر في حقّ البشرية. يهمّنا في الحقيقة المرّة، في المشهد الأليم الأطفال الذين تبتر حيواتهم بوحشية، فيكملون نومهم بهدوء وسلام. مَن هم هؤلاء، مصّاصو الدماء، الذين لا يحرّكهم منظر طفل نام من الموت؟


صدّقنا أن الإنسان، كل إنسان غالٍ وأننا لا نمثّل ذلك الآخر الملعون...
مَن هم هؤلاء الذين لا يحرّكهم منظر طفل نام من الموت؟

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077